…وهكذا أطلق الشيخ محمد عبده على القول بوجود الملائكة أنه زعم رغم أنه يعرف أن الإيمان بها ركن من أركان الإيمان، ومن لم يؤمن به يخرج من هذا الدين. بل عدّ إيمان من لم يؤمن بالملائكة أعلى كعباً ممن يؤمن بوجودها. ومصدر قوله هو تحكيم العقل في أمر لا يقع تحت حس البشر وما ينبغي لهم أن يدركوه بحواسهم.
…وقد أطلق الشيخ رشيد على من عرّف الملائكة بأنهم أجسام نورانية أنهم عبدة الألفاظ(١). وفي الوقت نفسه كال بمكيالين، وجاء بأسوأ خرافة ليثبت ما يزعمه علماء الروح من الإفرنج أن الأرواح البشرية تكون بعد الموت قادرة على التشكل في أجساد تأخذها من مادة الكون كالملائكة والجن.
…وكما يقول الصوفية في الإنس(٢) فقال: "قال بعض من شاهد في فرنسا روح امرأة تجسدت: إنها ظهرت أولاً بشكل بخار أو ضباب، ثم تكاثف فكانت جسداً تام الجمال في ثوب أبيض فسألها أن تعطيه قطعة من ثوبها فسمحت له، فقصّها فلم تلبث أن تكون مثلها في موضعها، ثم عرضها على معامل النسيج في باريس، وسألهم هل يوجد مثل هذا النسيج المهلهل؟ قالوا: لا، ولكن يمكن إيجاده إذا طلب. وهذا مثل ما يحكيه صوفيتنا عن الذين يتجردون من أجسادهم تارة، ويتشكلون كابن عربي، ومنهم قضيب البان الذي طلب مرة فوجد مالئاً البيت الذي كان فيه حتى يتعذر خروجه بجسده ذاك، ثم صغر فخرج، ومن لم يصدقها من علماء الكيمياء لأنه لم يشاهد مثله لا ينكر إمكانه"(٣).

(١) تفسير المنار، ١/٢٧٠.
(٢) انظر ص ١٨١، ١٨٢، الوحي المحمدي، محمد رشيد رضا، ط٩، المكتب الإسلامي.
(٣) ص ١٨٢، الوحي المحمدي، محمد رشيد رضا، وقد سجلها تحت عنوان "البعث الإنساني جسماني وروحاني".


الصفحة التالية
Icon