…فالدكتور مصطفى زيد تبنى رأي أبي بكر الأصم المعتزلي، وأطلق لعقله الحر العنان في الحكم على عالم الغيب، ولم يتقيد بفهم الأمر كما يدل منطوق ومفهوم الآيات عليه. فشكك في قتال الملائكة مع المؤمنين في بدر، وأنه لا داعي لإنزال ألف من الملائكة فيكفي ملك واحد لإهلاك جيش قريش، وشكك في العدد النازل من الملائكة، كما شكك في ماهية الملائكة، وأصرّ على أن الخطاب للمؤمنين مع أن الملائكة بحاجة إلى تعلم فنون القتال مع البشر، وأن القتال مألوف للعرب قبل الإسلام. قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: "والذي يظهر أن ما بعد يوحي ربك إلى الملائكة هو من جملة الموحى به، وأن الملائكة هم المخاطبون بتثبيت المؤمنين، وبضرب فوق الأعناق وكل بنان"(١). وإنني أدعو القارئ الكريم للنظر في تفسير المنار، الجزء الثالث، الصفحة الثالثة عشرة بعد المائة ليستيقن أن رأي الدكتور مصطفى زيد يخرج من مشكاة تفسير المنار. وقد ساق موقف الرازي من هذا الرأي فقال: "واعترض الرازي عليه بأن مثل هذا إنما يصدر من غير المؤمنين، وكان يجب أن يرد عليه بما يدفع هذه الحجج أو يبيّن لها مخرجاً"(٢).
…وقال الفخر الرازي: "أجمع أهل التفسير والسير على أن الله تعالى أنزل الملائكة يوم بدر وأنهم قاتلوا الكفار"، ثم قال: "واعلم أن هذه الشبهة إنما تليق بمن ينكر القرآن والنبوة، فأما من يقر بهما فلا يليق به شيء من هذه الكلمات، فما كان يليق بأبي بكر الأصم إنكار هذه الأشياء مع أن نص القرآن ناطق بها. وورودها في الأخبار قريب من التواتر"(٣).
(٢) ٣/١١٣، تفسير المنار، وانظر ص ٨٥، ٨٦، سورة الأنفال عرض وتفسير د. مصطفى زيد.
(٣) ٨/٢١٣، تفسير الرازي، طبعة طهران، وانظر ٤/٥٨، غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري، مطبعة الحلبي، تحقيق إبراهيم عوض.