…وهكذا يسير د. الخطيب مع عقله الحر في تصوير عالم الغيب، ولم يتوقف عند مدلول الألفاظ التي حددها القرآن الكريم. فالله تعالى يقول: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾ (١). أي وتتبدل السماوات كذلك. و د. الخطيب يقول عكس ذلك تماماً. فيحق لنا أن نعدّ كلامه شوائب في التفسير.
…أما تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴾ (٢). فقد فسرها وقطعها عن سياقها، فالآية تخاطب الإنسان الذي يستهجن البعث بعد الموت ﴿ وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴾ (٣)، والخطاب فيه التفات من الحديث عن الغائب إلى الحاضر. وليس الخطاب لكل إنسان مؤمناً كان أو كافراً. وكلمة واردها تحتمل أكثر من معنى منها الدخول ومنها المرور عليها، وقال آخرون هو الدخول، ولكنه عنى الكفار دون المؤمنين، وقال آخرون: بل الورود عام لكل مؤمن وكافر، غير أن ورود المؤمن مرور، وورود الكافر الدخول. وقال آخرون يردها الجميع، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم(٤). والذين فسّروا الورود بالدخول قالوا إن النار تكون على المؤمنين برداً وسلاماً حسبما صحّ عندهم من أدلة من الكتاب والسنة منها قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ (٥). فلا تعارض ولا تناقض في القرآن. فالأنبياء والشهداء والصالحون ومن يؤتون كتبهم بأيمانهم لا يدخلون النار قطعاً
(٢) سورة مريم، الآية: ٧١.
(٣) سورة مريم، الآية: ٦٦.
(٤) هذه المعاني الخمسة ذكرها الطبري في تفسيره للآية م٩، ١٥، ١٦/١٠٨-١١١، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، طبعة دار الفكر.
(٥) سورة الأنبياء، الآيات: ١٠١، ١٠٢.