…قال د. مصطفى محمود في تفسير قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ (١): "الآية تبدأ بأنها ضرب مثل وليست إيراداً لأوصاف حرفية، فهذا أمر مستحيل لأن الجنة والجحيم أمور غيبية بالنسبة لنا لا يمكن تصويرها في كلمات من قاموسنا"(٢). وقال: "وكل ما جاء عن الجنة والجحيم ما هو إلا ألوان من ضرب المثال، وألوان من التقريب وألوان من الرمز"(٣).
…ولا أدري كيف طوّعت للدكتور مصطفى محمود نفسه أن يقول ليست إيراداً لأوصاف حرفية. فهذا أمر مستحيل لأنها أمور غيبية وكأن النص ألفاظ لمخلوق لم يشهد الغيب. وهو في النتيجة يرى أن العذاب معنوي(٤). فقد كسى فلسفة اليونان ثوب الإسلام من جهة، وبلور رأي أصحاب تفسير المنار في هذه المسألة. قال الشيخ رشيد: "وأما التمثيل فيما نحن فيه منها فيصح عليه أن يراد بالجنة الراحة والنعيم"(٥).
…ولا يخفى على مسلم أن ما ذهب إليه الدكتور مصطفى محمود من أن الجزاء الأخروي ليس حقيقياً بل هو من قبيل ضرب المثل، ومن قبيل الرمز، ومن ألوان التقريب، لا يخفى أن هذا من الشوائب لأنه يناقض عقيدة المسلمين القطعية في ثبوتها وفي دلالتها.

(١) سورة محمد، آية: ١٥.
(٢) ص ٨٥، القرآن محاولة لفهم عصري، مصطفى محمود.
(٣) ص ٨٦، المصدر السابق نفسه.
(٤) انظر ص ٩٤-٩٦. وانظر لغاية ص١٠٩، المصدر نفسه.
(٥) ١/٢٨٢، تفسير المنار.


الصفحة التالية
Icon