…وقال: "هذا أحسن ما يجلى فيه هذا المذهب"، ثم ذكر الإسرائيليات والأساطير كالقول بأنه كان في الأرض قبل آدم خلق يسمون بالحن والبن، أو الطم والرم. وقال إن الأكثرين على أن الجن هم الذين كانوا قبل آدم مباشرة، وقال ليس في الإسلام سند يحتج به على هذه القصص، ثم قال: "ولكن تقاليد الأمم الموروثة في هذه المسألة تنبئ بأمر ذي بال، وهي متفقة فيه بالإجمال، ألا وهو ما قلناه من أن آدم ليس أول الأحياء العاقلة التي سكنت الأرض"(١). وبلغ بأصحاب المنار الأمر أن نفوا نبوة آدم عليه السلام فقالوا: "وآدم لم يكن نبياً رسولاً عند بدء خلقه اتفاقاً ولا موضع للرسالة في ذلك الطور. والظاهر من الآيات الواردة في الرسل ومن بعض الأحاديث الصحيحة أنه لم يكن رسولاً مطلقاً، وأن أول الرسل نوح عليه السلام وعليهم السلام"(٢).
…وإنكار نبوة آدم عليه السلام ليسهّل أمر أخذ نظرية دارون بعين الرضا والقبول، ويجعلها مستساغة شرعاً في نظرهم. فقال عند تفسير قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ﴾ (٣): "وقد خلق الله آدم أبا للبشر من الطين كما خلق أصول سائر الأحياء في هذه الأرض إذا كانت حالتها مناسبة لحدوث التولد الذاتي(٤). بل خلق كل فرد من أفراد البشر من سلالة من طين، فبنية الإنسان مكونة من الغذاء ومنه ما في رحم الأنثى من جراثيم النسل وما يلقمه من ماء الذكر، فهو متولد من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء من نبات الأرض، أو من لحوم الحيوان المتولد من الأرض، فمرجع كل إلى النبات. وإنما النبات من الطين"(٥).

(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) تفسير المنار، ٨/٣٥٤، تفسير سورة الأعراف، وانظر تفسير سورة الأنعام، ج٧.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٢.
(٤) تفسير المنار، ٧/٢٩٦.
(٥) المصدر السابق نفسه.


الصفحة التالية
Icon