الفنقلة في الآية ليست كما ذهب أصحاب المنار. "ولقد علمنا قطعاً أن الملائكة لا تعلم إلا ما أعلمت، ولا تسبق بالقول، وذلك عام في جميع الملائكة. والمعنى أنهم لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد، إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، لكن عمموا الحكم على الجميع بالمعصية، فبيّن الرب تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد، فقال تطييباً لقلوبهم: ﴿ إني أعلم ﴾ وحقق ذلك بأن علم آدم الأسماء، وكشف لهم عن مكنون علمه، والسؤال إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه وينعم عليه بذلك. وإما عن طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعاً: الاستخلاف والعصيان"(١). وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلقاً أفسدوا وسفكوا الدماء فسألوا حين قال تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ أهو الذي أعلمهم أم غيره. وهذا قول حسن(٢).
قال القرطبي: "والقول الأول أيضاً حسن جداً، لأن فيه استخراج العلم واستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء. وما بين القولين حسن فتأوله"(٣).
وقال الزمخشري: "فإن قلت لأي غرض أخبرهم بذلك (قلت) ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم. وقيل ليعلم عباده المشاوره في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنياً عن المشاورة"(٤).
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) تفسير القرطبي، ١/٧٥.
(٤) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الزمخشري، محمود بن عمر، ١/٦١، طبعة دار المعرفة، بيروت.