فَلَمّا عَصَوْني كُنْتُ مِنْهُم وَقَدْ أَرَى غَوَايَتَهُمْ ؛ وأَنّني غيرُ مُهْتَدِي
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى فَلَمْ يَسْتَبينوا النّصْحَ إلاّ ضُحَى الغَدِ
وهَلْ أَنَا إلاّ مِنْ غَزِيّةِ إنْ غَوَتْ غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيّةُ أَرْشُدِ
وروى الطبري في تاريخه بسنده عن عمير بن طلحة النمرى، عن أبيه، أنه جاء اليمامة، فقال : أين مسيلمة ؟ قالوا : مه رسول الله ! فقال : لا، حتى أراه ؛ فلما جاءه، قال : أنت مسيلمة ؟ قال : نعم، قال : من يأتيك ؟ قال : رحمن، قال : أفي نور أم في ظلمة ؟ فقال : في ظلمة، فقال : أشهد أنك كذابٌ وأن محمداً صادقٌ ؛ ولكن كذابُ ربيعةَ أحبُّ إلينا من صادقِ مُضَرٍ، فقُتِلَ معه يوم عقرباء (١).
فالتعصب مذموم حتى من أهل الحق، يقول الإمام أبو حامد الغزالي :" إن التعصّب من آفات علماء السوء، فإنهم يُبالغون في التعصِّب للحقّ، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة، وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه. ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة، لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه، ولكن لمّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع، ولا يستميل الأتْباع مثلُ التعصّب واللعن والتُّهم للخصوم، الذين اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم " (٢) ).
الصدود والإعراض
الصدود والإعراض من شيم أولئك الذين لا يعنيهم الوصول إلى الحقيقة بل يصمُّون آذانهم عن نداء الحقِّ ويُغْمِضون أعينهم عن آياتِه المبصِرة، فتلك سجيَّتُهم وذلك دأبُهم قال تعالى ﴿ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ ژ ﴾ الأنعام : ٤
(١) - تاريخ الأمم والملوك للطبري ٣/٢٨٦، والكامل في التاريخ لابن الأثير ٢/٢٤٥.
(٢) - إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ١ / ٤٠


الصفحة التالية
Icon