وأبين من هذا قوله تعالى "وممن حولكم من الأعراب منافقون" والأعراب لا يكونون في الأكثر إلا متراخين عن البلدان فالمعنى أن بورك من في قرب النار أو طلب النار ومن في بعدها، ومن حولها الملائكة وغيرهم والقريب منها موسى، لأنه أراد أن يحمل نارا إلى أهله ليصطلوا بها
ومثله قوله تعالى "ولما ورد ماء مدين" أي قربه ولم يتوغل فيه ومن ذلك "أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً" فمن فتح أراد لأن كنتم والمعنى أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم لأن كنتم قوماً مسرفين وهذا يقرب من قوله "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" وانتصاب صفحا على المصدر، من باب "صنع الله"، "وكتاب الله"، و "وعد الله" ومن ذلك قوله تعالى "فأجمعوا أمركم" أي على أمركم ومن هذا الباب قوله "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" والتقدير يسبحون بالليل كقوله تعالى "يسبح له فيها بالغدو والآصال" فأما قوله والنهار فقيل هو منصوب بقوله لا يفترون والأحسن أن يكون عطفاً على الليل ومثله "وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفاً أن يبلغ محله" فإنه يجوز أن يحمل على عن تقديره معكوفاً عن أن يبلغ محله فلما كانت أن الموصولة بالفعل قد طال الكلام بها جاز إضمار الجار ويجوز النصب في موضع أن على هذا، والعامل فيه على ضربين أحدهما أن يكون التقدير والهدى معكوفاً كراهة أن يبلغ، أو لئلا يبلغ محله؛ على تقدير الكوفيين فإن قلت فإن معكوفاً يقتضى حرف جر على تقدير على ولا يكون متعدياً بنفسه، والتنزيل يشهد بصحة ذا؛ قال عز من قائل "يعكفون على أصنام لهم" و "سواء العاكف فيه والباد" قيل هو محمول على المعنى، كأنه قال والهدى محبوساً كراهة أن يبلغ، كالرفث حيث حمل على الإفضاء في قوله "الرفث إلى نسائكم" وجاز ذا لأن المسلمين أحصروا إذ ذاك، ويكون معكوفاً في بابه، كمدرهم، حيث لم يقل درهم، ومفؤود، للجبان، و "ماء معين"، ولم يقل عين، وكذلك لم يقل عكف وإن حملته على وصدوكم كان فيه إضمار


الصفحة التالية
Icon