وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ كَائِنٌ فِي ذُرِّيَّتِهِ ظَالِمٌ لَا يَنَالُ عَهْدَهُ -وَلَا يَنْبَغِي [لَهُ] (١) أَنْ يُوَلِّيَهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ خَلِيلِهِ -وَمُحْسِنٌ سَتَنْفُذُ فِيهِ دَعْوَتُهُ، وَتَبْلُغُ لَهُ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ: يَعْنِي لَا عهدَ لِظَالِمٍ عَلَيْكَ فِي ظُلْمِهِ، أَنْ تُطِيعَهُ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ: لَيْسَ لِلظَّالِمِينَ عَهْدٌ، وَإِنْ عَاهَدْتَهُ فَانْتَقِضْهُ (٢).
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَيْسَ لِظَالِمِ عَهْدٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ: لَا يَنَالُ عهدُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ (٣) الظَّالِمِينَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِمُ فَأَمِنَ بِهِ، وَأَكَلَ وَعَاشَ.
وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: عَهْدُ اللَّهِ الذِي عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ: دِينُهُ، يَقُولُ: لَا يَنَالُ دِينُهُ الظَّالِمِينَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصافات: ١١٣]، يَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ ذُرِّيَّتِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْحَقِّ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَعَطَاءٍ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ.
وَقَالَ جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: لَا يَنَالُ طَاعَتِي عَدُوٌّ لِي يَعْصِينِي، وَلَا أَنْحَلُهَا إِلَّا وَلِيًّا لِي يُطِيعُنِي.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدويه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّامْغَانِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ: "لَا طَاعَةَ إِلَّا في المعروف" (٤).
(٢) في جـ، ط، أ، و: "فأنقضه".
(٣) في ط: "لا ينال عهد الله ظالم في الآخرة".
(٤) قال البخاري في صحيحه برقم (٧٢٥٧) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شعبة، عن زيد، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جيشا وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: "لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة". وقال للآخرين: "لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف". فهذا هو أصل هذا الحديث من دون ذكر الآية، والله أعلم.