وَلَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: ذَكَر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَاني النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عنَبَةٌ طَافِيَةٌ وَأَرَانِي اللَّهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَم، كَأَحْسَنِ مَا تَرَى مَنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لمَّته بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجْل الشَّعْرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (١) ثُمَّ رَأَيْتُ وَرَاءَهُ رَجُلًا جَعْدًا قَطَطًا، أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَن، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ (٢).
ثُمَّ رَوَاهُ (٣) الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ المكِّي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ لِعِيسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (٤) أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْط الشَّعْرِ، يَتَهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطف رَأْسُهُ مَاءً -أَوْ يُهرَاق رَأْسُهُ مَاءً-فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْد الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ. وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَن". قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (٥).
هَذِهِ كُلُّهَا أَلْفَاظُ الْبُخَارِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتوفى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ يَمْكُثُ سَبْعَ سِنِينَ، فَيُحْتَمَلُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِلُبْثِهِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَجْمُوعَ إِقَامَتِهِ فِيهَا قَبْلَ رَفْعِهِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ، فَإِنَّهُ رُفِعَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: أَنَّهُمْ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَمِيلَادِ عِيسَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رُفع وَلَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، فَشَاذٌّ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ تَارِيخِهِ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّهُ يُدْفَنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجْرَتِهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (٦).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمُ الرِّسَالَةَ مِنَ اللَّهِ، وَأَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ (٧) عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ. مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ] (٨) الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٦ -١١٨].
(٢) صحيح البخاري برقم (٣٤٣٩، ٣٤٤٠)، وصحيح مسلم برقم (١٦٩).
(٣) في د: "روى".
(٤) زيادة من أ.
(٥) صحيح البخاري برقم (٣٤٤١).
(٦) تاريخ دمشق (١٤/١٠٦ المخطوط) ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٢٠/١٥٤) بإسناده إلى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال البخاري: هذا لا يصح عندي ولا يتابع عليه.
(٧) في د: "بعبودية الله".
(٨) زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".