يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [٤٣/١٨]؛ لأن نشأتها في الحلية دليل على نقصها، المراد جبره،
والتغطية عليه بالحلي، كما قال الشاعر: [الطويل]

وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفرا كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
ولأن عدم إبانتها في الخصام إذا ظلمت دليل على الضعف الخلقي، كما قال الشاعر: [الطويل]
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
فلم يعتذر عذر البرىء ولم تزل به سكتة حتى يقال مريب
ولا عبرة بنوادر النساء؛ لأن النادر لا حكم له.
وأشار بقوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله، أن يكون قائما على الضعيف الناقص خلقة.
ولهذه الحكمة المشار إليها جعل ميراثه مضاعفا على ميراثها؛ لأن من يقوم على غيره مترقب للنقص، ومن يقوم عليه غيره مترقب للزيادة، وإيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة.
كما أنه أشار إلى حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة بقوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ ؛ لأن من عرف أن حقله غير مناسب للزراعة لا ينبغي أن يرغم على الازدراع في حقل لا يناسب الزراعة. ويوضح هذا المعنى أن آلة الازدراع بيد الرجل، فلو أكره على البقاء مع من لا حاجة له فيها حتى ترضى بذلك، فإنها إن أرادت أن تجامعه لا يقوم ذكره، ولا ينتشر إليها، فلم تقدر على تحصيل النسل منه، الذي هو أعظم الغرض من النكاح بخلاف الرجل، فإنه يولدها وهي كارهة كما هو ضروري.
قوله تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾، ظاهر هذه الآية الكريمة أن الطلاق كله منحصر في المرتين، ولكنه تعالى بين أن المنحصر في المرتين هو الطلاق الذي تملك بعده الرجعة لا مطلقا، وذلك بذكره الطلقة الثالثة التي لا تحل بعدها المراجعة إلا بعد زوج. وهي المذكورة في قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ﴾ الآية [٢/٢٣٠]، وعلى هذا القول فقوله: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [٢/٢٢٩]، يعني به عدم الرجعة.


الصفحة التالية
Icon