ذرية إبراهيم ظالمين. وقد صرح تعالى في مواضع أخر بأن منهم ظالما وغير ظالم. كقوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [٣٧/١١٣]، وقوله: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ الآية [٤٣/٢٨].
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ ذكر في هذه الآية رفع إبراهيم وإسماعيل لقواعد البيت. وبين في سورة "الحج" أنه أراه موضعه بقوله: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ [٢٢/٢٦]، أي: عينا له محله وعرفناه به. قيل: دله عليه بمزنة كان ظلها قدر مساحته، وقيل: دله عليه بريح تسمى الحجوج كنست عنه حتى ظهر أسمه القديم فبنى عليه إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ﴾، لم يبين هنا من هذه الأمة التي أجاب الله بها دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل، ولم يبين هنا أيضا هذا الرسول المسؤول بعثه فيهم من هو ؟ ولكنه يبين في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب، والرسول هو سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ [٦٢/٣، ٢]؛ لأن الأميين العرب بالإجماع. والرسول المذكور نبينا محمد ﷺ إجماعا. ولم يبعث رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل إلا نبينا محمد ﷺ وحده.
وثبت في الصحيح أنه هو الرسول الذي دعا به إبراهيم ولا ينافي ذلك عموم رسالته ﷺ إلى الأسود والأحمر.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ الآية، لم يبين هنا ما ملة إبراهيم وبينها بقوله: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [٦/١٦١]، فصرح في هذه الآية بأنها دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. وكذا في قوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ الآية [١٦/١٢٣].
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾، أشار إلى أنه دين الإسلام هنا بقوله: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وصرح بذلك في قوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ﴾


الصفحة التالية
Icon