قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾، ظاهر هذه الآية أن جميع أنواع الميتة والدم حرام، ولكنه بين في موضع آخر أن ميتة البحر خارجة عن ذلك التحريم وهو قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ الآية [٥/٩٦]. إذ ليس للبحر طعام غير الصيد إلا ميتته. وما ذكره بعض العلماء من أن المراد بطعامه قديده المجفف بالملح مثلا، وأن المراد بصيده الطري منه. فهو خلاف الظاهر؛ لأن القديد من صيده فهو صيد جعل قديدا وجمهور العلماء على أن المراد بطعامه ميتته. منهم: أبو بكر الصديق، وزيد بن ثابت، وعبد الله ابن عمر، وأبو أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وعكرمة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري وغيرهم. كما نقله عنهم ابن كثير. وأشار في موضع آخر إلى أن غير المسفوح من الدماء ليس بحرام وهو قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً﴾ [٦/١٤٥]، فيفهم منه أن غير المسفوح كالحمرة التي تعلو القدر من أثر تقطيع اللحم ليس بحرام، إذ لو كان كالمسفوح لما كان في التقييد بقوله: ﴿مَسْفُوحاً﴾.
فائدة
وقد جاء عن النبي ﷺ أن الله أحل له ولأمته ميتتين ودمين، أما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الأنعام إن شاء الله تعالى.
وعنه ﷺ في البحر "هو الحل ميتته" أخرجه مالك وأصحاب "السنن" والإمام أحمد، والبيهقي والدارقطني في سننهما، والحاكم في "المستدرك"، وابن الجارود في "المنتقى"، وابن أبي شيبة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبخاري.
وظاهر عموم هذا الحديث وعموم قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُهُ ﴾، يدل على إباحة ميتة البحر مطلقا. وقد ثبت عنه ﷺ في الحديث المتفق عليه أنه أكل من العنبر، وهو حوت ألقاه البحر ميتا وقصته مشهورة.
وحاصل تحرير فقه هذه المسألة: أن ميتة البحر على قسمين: قسم لا يعيش إلا في الماء، وإن أخرج منه مات كالحوت. وقسم يعيش في البر، كالضفادع ونحوها.
أما الذي لا يعيش إلا في الماء كالحوت. فميتته حلال عند جميع العلماء