الأول: هو ما قدمنا من حديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: أمر رسول الله ﷺ أن يخرص العنب كما يخرص النخل فتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ صدقة النخل تمراً" وقد قدمنا أن هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والدارقطني، وقد قدمنا أنه من مراسيل سعيد بن المسيب، وقدمنا أيضاً أن الاحتجاج بمثل هذا المرسل من مراسيل سعيد صحيح عند الأئمة الأربعة، فإذا علمت صحة الاحتجاج بحديث سعيد بن المسيب هذا. فاعلم أنه نص صريح في أن النبي ﷺ أمر بخرص العنب والنخل، وأن تؤخذ زكاة العنب زبيباً، وصدقة النخيل تمراً، فمن ادعى جواز أخذ زكاة النخل رطباً أو بسراً فدعواه مخالفة لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أمر بأخذها في حال كونها تمراً في النخل وزبيباً في العنب، ومعلوم أن الحال وصف لصاحبها قيد لعاملها. فكون زكاة النخل تمراً وصف لها أمر النبي ﷺ بإخراجها في حال كونها متصفة به. وكذلك كونها تمراً قيد لأخذها، فهو تقييد من النبي ﷺ لأخذها بأن يكون في حال كونها تمراً، فيفهم منه أنها لا تؤخذ على غير تلك الحال ككونها رطباً مثلاً وإذا اتضح لك أن أخذها رطباً مثلاً مخالف لما أمر به صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه قال في الحديث المتفق عليه: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد"، وفي رواية في الصحيح: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي الكتاب العزيز: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ الآية [٢٤/٦٣].
ومما يوضح لك أن إخراج الرطب مثلاً في الزكاة مخالف لما سنه وشرعه ﷺ من أخذها تمراً، وزبيباً يابسين ما ذكره البيهقي في السنن الكبرى في باب "كيف تؤخذ زكاة النخل والعنب" فإنه قال فيه وأخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف الفقيه المهرجاني. أنبأ بشر بن أحمد. أنبأ أحمد بن الحسين بن نصر الحذاء. ثنا علي بن عبد الله ثنا يزيد بن زريع، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، أخبرني الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ﷺ أمر عتاب بن أسيد أن يخرص العنب كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً قال: فتلك سنة رسول الله ﷺ في النخل والعنب اهـ. منه بلفظه، وفيه التصريح بأن إخراج التمر والزبيب: هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمخرج الرطب والعنب مخالف لسنته ﷺ كما ترى.
الدليل الثاني: إجماع المسلمين على أن زكاة الثمار والحبوب من نوع ما تجب الزكاة في عينه، والعين الواجبة فيها الزكاة هي: التمر والزبيب اليابسان، لا الرطب


الصفحة التالية
Icon