[٤٤/٣]؛ لأن الليلة المباركة هي ليلة القدر على التحقيق وفي معنى إنزاله وجهان:
الأول: أنه أنزل فيها جملة إلى السماء الدنيا، كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والثاني: أن معنى إنزاله فيها ابتداء نزوله كما قال به بعضهم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾، ذكر في هذه الآية أنه جل وعلا قريب يجيب دعوة الداعي وبين في آية أخرى تعليق ذلك على مشيئته جل وعلا وهي قوله: ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾ الآية [٦/٤١].
وقال بعضهم التعليق بالمشيئة في دعاء الكفار كما هو ظاهر سياق الآية، والوعد المطلق في دعاء المؤمنين. وعليه فدعاؤهم لا يرد، إما أن يعطوا ما سألوا أو يدخر لهم خير منه أو يدفع عنهم من السوء بقدره.
وقال بعض العلماء: المراد بالدعاء العبادة وبالإجابة الثواب، وعليه فلا إشكال.
قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾، بينه قوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [٢/١٨٧]، والعرب تسمى ضوء الصبح خيطا، وظلام الليل المختلط به خيطا، ومنه قول أبي دواد الإيادي: [المتقارب]
فلما أضاءت لنا سدفة | ولاح من الصبح خيط أنارا |
وقول الآخر: [البسيط]
الخيط الابيض ضوء الصبح منفلق | والخيط الاسود جنح الليل مكتوم |
قوله تعالى:
﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾، لم يصرح هنا بالمراد بمن اتقى، ولكنه بينه بقوله:
﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [٢/١٧٧]، والكلام في الآية على حذف مضاف أي ولكن ذا البر من اتقى، وقيل ولكن البر بر من اتقى، ونظير الآية في ذلك من كلام العرب قول الخنساء: [البسيط]