﴿حَيْثُ﴾، التي هي كلمة تدل على المكان، كما تدل حين على الزمان.
ولكنه يبين ذلك بقوله: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ [٢/١٩٨]. وسبب نزولها أن قريشا كانوا يقفون يوم عرفة بالمزدلفة، ويقولون: نحن قطان بيت الله، ولا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم؛ لأن عرفات خارج عن الحرم وعامة الناس يقفون بعرفات، فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وهو عرفات، لا من المزدلفة كفعل قريش.
وهذا هو مذهب جماهير العلماء، وحكى ابن جرير عليه الإجماع، وعليه فلفظة ثم للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة، وترتيبها عليها في مطلق الذكر، ونظيره قوله تعالى: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [٩٠/١٧، ١٦، ١٥، ١٤، ١٣].
وقول الشاعر: [الخفيف]
إن من ساد ثم ساد أبوه | ثم قد ساد قبل ذلك جده |
قال ابن جرير في هذا القول: ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح.
قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [٢/٢١٢]، لم يبين هنا سخرية هؤلاء الكفار من هؤلاء المؤمنين ولكنه بين في موضع آخر أنها الضحك منهم والتغامز وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [٨٣/٢٩، ٣٠].
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لم يبين هنا فوقية هؤلاء المؤمنين على هؤلاء الكفرة، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [٨٣/٣٥، ٣٤].
وقوله: ﴿أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [٧/٤٩].