لا دليل فيه للوطء في الدبر؛ لأنه مرتب بالفاء التعقيبية، على قوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾، ومعلوم أن الدبر ليس محل حرث، ولا ينتقض هذا بجواز الجماع في عكن البطن، وفي الفخذين، والساقين، ونحو ذلك مع أن الكل ليس محل حرث؛ لأن ذلك يسمى استمناء لا جماعا. والكلام في الجماع؛ لأن المراد بالإتيان في قوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾، الجماع والفارق موجود؛ لأن عكن البطن ونحوها لا قذر فيها، والدبر فيه القذر الدائم، والنجس الملازم.
وقد عرفنا من قوله: ﴿قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ﴾ [٢/٢٢٢]، أن الوطء في محل الأذى لا يجوز.
وقال بعض العلماء: معنى قوله: ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾، أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه؛ لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوه إلى غيره، ويروى هذا القول عن ابن عباس ومجاهد، وقتادة، والربيع وغيرهم، وعليه فقوله: ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه﴾ يبينه: ﴿قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ﴾ الآية ؛ لأن من المعلوم أن محل الأذى الذي هو الحيض إنما هو القبل، وهذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا، وهذا القول مبني على أن النهي عن الشيء أمر بضده؛ لأن ما نهى الله عنه فقد أمر بضده، ولذا تصح الإحالة في قوله: ﴿أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ على النهي في قوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾، والخلاف في النهي عن الشيء هو أمر بضده معروف في الأصول، وقد أشار له في "مراقي السعود"، بقوله: [الرجز]
والنهي فيه غابر الخلاف | أو أنه أمر بالائتلاف |
وقيل لا قطعا كما في المختصر | وهو لدى السبكي رأي ما انتصر |
أحدهما: أنه أمر بالضد اتفاقا.
والثاني: أنه ليس أمرا به قطعا، وعزا الأخير لابن الحاجب في "مختصره"، وأشار إلى أن السبكي في"جمع الجوامع"، ذكر أنه لم ير ذلك القول لغير ابن الحاجب.