وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، وكانت كذلك في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، ثم أقطعها مروان، يعني في أيام عثمان.
قال الخطابي: إنما أقطع عثمان "فدك" لمروان؛ لأنه تأول أن الذي يختص بالنَّبي ﷺ يكون للخليفة بعده، فاستغنى عثمان عنها بأمواله، فوصل بها بعض قرابته، ويشهد لصنيع أبي بكر حديث أبي هريرة المرفوع الثابت في الصحيح، بلفظ: "ما تركت بَعْدَ نَفَقَةِ نسائي، وَمَؤُونَةِ عاملي فهو صدقة".
فقد عمل أبو بكر وعمر بتفصيل ذلك بالدليل الذي قام لهما. اهـ.
واعلم أن فيء "بني النضير" تدخل فيه أموال "مخيريق" رضي الله عنه، وكان يهودياً من "بني قينقاع"، مقيماً في بني النضير، فلما خرج النَّبي ﷺ إلى أحد، قال لليهود: ألا تنصرون محمداً صلى الله عليه وسلم، والله إنكم لتعلمون أن نصرته حق عليكم، فقالوا: اليوم يوم السبت، فقال: لا سبت، وأخذ سيفه ومضى إلى النَّبي ﷺ فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فلما حضره الموت قال: أموالي إلى محمد ﷺ يضعها حيث شاء، وكان له سبع حوائط ببني النضير وهي "المثيب"، "والصائفة"، "والدلال"، "وحسنى"، "وبرقة"، "والأعواف"، "ومشربة أم إبراهيم".
وفي رواية الزبير بن بكار "الميثر" بدل "الميثب"، "والمعوان" عوض "الأعواف" وزاد "مشربة أم إبراهيم" الذي يقال له "مهروز".
وسميت "مشربة أم إبراهيم" لأنها كانت تسكنها "مارية"، قاله بعض أصحاب المغازي، وعد الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي "مخيريق" المذكور من شهداء أحد، حيث قال في سردهم: "الرجز"
وذو الوصايا الجم للبشير | وهو مخيريق بني النضير |
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بالثبات عند لقاء العدو، وذكر الله كثيراً مشيراً إلى أن ذلك سبب للفلاح؛ والأمر بالشيء نهى عن ضده، أو مستلزم للنهي عن ضده، كما علم في الأصول، فتدل الآية الكريمة على النهي عن عدم الثبات،