إلى أن أهل الأرض سيصعدون إلى السموات واحدة بعد أخرى بقوله: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ [٨٤/١٩]، زاعماً أن معنى الآية الكريمة "لتركبن أيها الناس طبقاً"، أي: سماء عن طبق، أي: بعد سماء حتى تصعدوا فوق السموات فهو أيضاً جهل بكتاب الله وحمل له على غير ما يراد به.
اعلم أولاً: أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين مشهورتين، إحداهما: ﴿لتركبن﴾، بفتح الباء وبها قرأ من السبعة ابن كثير وحمزة والكسائي، وعلى هذه القراءة ففي فاعل: ﴿لتركبن﴾ ثلاثة أوجه معروفة عند العلماء:
الأول: وهو أشهرها، أن الفاعل ضمير الخطاب الواقع على النَّبي صلى الله عليه وسلم، أي: لتركبن أنت يا نبيَّ الله طبقاً عن طبق، أي بعد طبق، أي حالاً بعد حال، أي: فترتقي في الدرجات درجة بعد درجة، والطبق في لغة العرب الحال، ومنه قول الأقرع بن حابس التميمي:
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره | وساقني طبق منها إلى طبق |
كذلك المرء إن ينسأ له أجل | يركب على طبق من بعده طبق |
والثاني: أن الفاعل ضمير السماء، أي: ﴿لتركبن﴾ هي، أي: السماء طبقاً بعد طبق أي: لتنتقلن السماء من حال إلى حال، أي تصير تارة كالدهان، وتارة كالمهل، وتارة تتشقق بالغمام، وتارة تطوى كطي السجل للكتب،
والثالث: أن الفاعل ضمير يعود إلى الإنسان المذكور في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً﴾ الآية [٨٤/٦]، أي: لتركبن أيها الإنسان حالاً بعد حال من صغر إلى كبر ومن صحة إلى سقم كالعكس، ومن غنى إلى فقر كالعكس، ومن موت إلى حياة كالعكس، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر وهكذا، والقراءة الثانية وبها قرأ من السبعة نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ﴿لتركبن﴾، بضم الباء وهو خطاب عام للناس