الأول: أنه خبر مبتدأ محذوف، وتقديره، الأمر كذلك، ولا محالة أن تلد الغلام المذكور. وقيل، الأمر كذلك أنت كبير في السن، وامرأتك عاقر. وعلى هذا فقوله: ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ ابتداء كلام:
الوجه الثاني: أن ﴿كذلك﴾ في محل نصب بـ ﴿قال﴾ وعليه فالإشارة بقوله: ﴿ذلك﴾ إلى مبهم يفسره قوله: ﴿هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ﴾، ونظيره على هذا القول قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ [١٥/٧٧]، وغير هذين من أوجه إعرابه تركناه لعدم وضوحه عندنا. وقوله: ﴿هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ﴾، أي: يسير سهل.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً﴾، أي: ومن خلقك ولم تك شيئاً فهو قادر على أن يرزقك الولد المذكور كما لا يخفى. وهذا الذي قاله هنا لزكريا: من أنه خلقه ولم يك شيئاً ـ أشار إليه بالنسبة إلى الإنسان في مواضع أخر. كقوله: ﴿أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً...﴾ الآية[١٩/٦٧]، وقوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾ [٧٦/١].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ﴿وَلَمْ تَكُ شَيْئاً﴾ دليل على أن المعدوم ليس بشيء. ونظيره قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ [٢٤/٣٩]، وهذا هو الصواب. خلافاً للمعتزلة القائلين: إن المعدوم الممكن وجوده شيء، مستدلين لذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [٣٦/٨٢]، قالوا: قد سماه الله شيئاً قبل أن يقول له كن فيكون، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده. ولأجل هذا قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: لأن المعدوم ليس بشيء. أو ليس شيئاً يعتد به. كقولهم: عجبت من لا شيء. وقول الشاعر:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم | إذا رأى غير شيء ظنه رجلا |