ألم تعلمي يا عمرك الله أنني كريم على حين الكرام قليل
وقول الآخر:
تذكر ما تذكر من سليمى على حين التواصل غير دان
وحكم هذا كما قبله. واعلم أن هذه الأوجه إنما هي في الظرف المبهم الماضي. وأما إن كان الظرف المبهم مستقبل المعنى، كقوله: ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ﴾، فإنه لا يضاف إلا إلى الجمل الفعلية دون الاسمية. فتكون فيه الأوجه الثلاثة المذكورة دون الرابع. وأجاز ابن مالك إضافته إلى الجملة الاسمية بقلة، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [٥١/١٣]، وقول سواد بن قارب:
وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب
لأن الظرف في الآية والبيت المذكورين مستقبل لا ماض، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً﴾، قال أبو حيان: فيه تنبيه على كونه من الشهداء، لقوله: تعالى فيهم: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [٣/١٦٩].
قال مقيده عفا الله عنه: وجه هذا الاستنباط أن الحال قيد لعاملها، وصف لصاحبها. وعليه فبعثه مقيد بكونه حياً، وتلك حياة الشهداء، وليس بظاهر كل الظهور. والله تعالى أعلم.
هذا هو حاصل ما ذكره الله تعالى في هذه السورة الكريمة من صفات يحيى، وذكر بعض صفاته في غير هذا الموضع، كقوله: في «آل عمران»: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [٣/٣٩]، ومعنى كونه: ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ أنه مصدق بعيسى، وإنما قيل لعيسى كلمة لأن الله أوجده بكلمة هي قوله: «كن» فكان، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ الآية[٤/١٧١]، وقال: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ...﴾ الآية[٣/٤٥]، وهذا هو قول جمهور المفسرين في معنى قوله تعالى: ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾، وقيل: المراد بكلمة الكتاب، أي مصدقاً بكتاب الله. والكلمة في القرآن تطلق على الكلام المفيد، كقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى﴾ [٧/١٣٧]، وقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ [٦/١١٥]،


الصفحة التالية
Icon