قبلها. فالنداء المذكور قبلها هو: لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا.
واختلف العلماء في المراد بالسري هنا. فقال بعض العلماء: هو الجدول وهو النهر الصغير. لأن الله أجرى لها تحتها نهراً. وعليه فقوله تعالى: ﴿فَكُلِى﴾، أي: من الرطب المذكور في قوله: ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً﴾ [١٩/٢٥]، ﴿وَاشْرَبِي﴾ [١٩/٢٦]، أي: من النهر المذكور في قوله: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾، وإطلاق السري على الجدول مشهور في كلام العرب. ومنه قول لبيد في معلقته:

فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاوراً نلامها
وقول لبيد أيضاً يصف نخلاً نابتاً على ماء النهر:
سحق يمتعها الصفا وسريه عم نواعم بينهن كروم
وقول الآخر:
سهل الخليفة ما جد ذو فائل مثل السري تمده الأنهار
فقوله: «سريه»، وقولهم: ا «السري»، بمعنى: الجدول. وكذلك قول الراجز:
سلم ترى الدالي منه أزورا إذا يعب في السري هرهرا
وقال بعض أهل العلم: السري هو عيسى. والسري هو الرجل الذي له شرف ومروءة. يقال في فعله سرو بالضم. وسرا ـ بالفتح ـ يسرو سروا فيهما. وسري ـ بالكسر ـ يسري سري وسراء وسروا إذا شرف. ويجمع السري هذا على أسرياء على القياس، وسرواء وسراة بالفتح. وعن سيبويه أن السراة ـ بالفتح ـ اسم جمع لا جمع.
ومنه قول الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ويجمع السراة على سروات؛ ومنه قول قيس بن الحطيم:
وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها
ومن إطلاق السري بمعنى الشريف قول الشاعر:
تلقى السري من الرجال بنفسه وابن السري إذا سرى أسراهما
وقوله: «أسراهما» أي أشرفهما؛ قاله في اللسان.
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له -: أظهر القولين عندي أن السري في الآية النهر


الصفحة التالية
Icon