وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [١٢/٦٧]، فانظر كيف جمع بين التسبب في قوله: ﴿لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ﴾ وبين التوكل على الله في قوله: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾، وهذا أمر معلوم لا يخفى إلا على من طمس الله بصيرته. والله جل وعلا قادر على أن يسقط لها الرطب من غير هز الجذع، ولكنه أمرها بالتسبب في إسقاطه بهز الجذع. وقد قال بعضهم في ذلك:

ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه جنته ولكن كل شيء له سبب
وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن خير ما تطعمه النفساء الرطب، قالوا: لو كان شيء أحسن للنفساء من الرطب لأطعمه الله مريم وقت نفاسها بعيسى، قاله الربيع بن خيثم وغيره. والباء في قوله: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [١٩/٢٥]، مزيدة للتوكيد، لأن فعل الهز يتعدى بنفسه، وزيادة حرف الباء للتوكيد قبل مفعول الفعل المتعدي بنفسه كثيرة في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن قوله: هنا ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ؛ لأن المتبادر من اللغة أن الأصل: وهزي إليك جذع النخلة، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [٢/١٩٥]، وقوله: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ...﴾ الآية[٢٢/٢٥]، وقوله: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ...﴾ الآية[٦٨/٥-٦]، وقوله: ﴿تَنبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [٢٣/٢٠]، على قراءة ابن كثير وأبي عمرو بضم التاء وكسر الباء مضارع أنبت الرباعي، لأن الرباعي الذي هو أنبت ينبت بضم الياء المثناة وكسر الباء الموحدة يتعدى بنفسه دون الحرف، فالباء مزيدة للتوكيد كما رأيت في الآيات المذكورة. ونظير ذلك من كلام العرب قول أمية بن أبي الصلت الثقفي:
إذ يسقون بالدقيق وكانوا قبل لا يأكلون خبزا فطيرا
لأن الأصل يسقون الدقيق فزيدت الباء للتوكيد. وقول الراعي:
هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المعاجر لا يقرأن بالسور
فالأصل: لا يقرأن السور، فزيدت الباء لما ذكر. وقول يعلى الأحول اليشكري أو غيره:


الصفحة التالية
Icon