المراد بها القبيلة لا الجد. وإذا حققت أن المراد بهارون في الآية غير هارون أخي موسى، فاعلم أن بعض العلماء: قال: إن لها أخاً اسمه هارون. وبعضهم يقول: إن هاروت المذكور رجل من قومها مشهور بالصلاح، وعلى هذا فالمراد بكونها أخته أنها تشبه في العبادة والتقوى. وإطلاق اسم الأخ على النظير المشابه معروف في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن قوله تعالى: ﴿وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا...﴾ الآية[٤٣/٤٨]، وقوله تعالى: ﴿إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...﴾ الآية [٧/٢٧]، وقوله تعالى ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ [٧/٢٠٢]، ومنه في كلام العرب قوله:
وكل أخ يفارقه أخوه... لعمر أبيك إلا الفرقدان
فجعل الفرقدين أخوين.
وكثيراً ما تطلق العرب اسم الأخ على الصديق والصاحب، ومن إطلاقه على الصاحب قول القلاخ بن حزن:
أخا الحرب لباسا إليها جلالها... وليس بولاج الخوالف أعقلا
فقوله: «أخا الحرب» يعني صاحبها. ومنه قول الراعي وقيل لأبي ذؤيب:
عشية سعدي لو تراءت لراهب... بدومة تجر دونه وحجيج
قلى دينه واهتاج للشوق إنها... على النأي إخوان العزاء هيوج
فقوله: «إخوان العزاء» يعني أصحاب الصبر. قوله تعالى: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾.
معنى إشارتها إليه: أنهم يكلمونه فيخبرهم بحقيقة الأمر. والدليل على أن هذا هو مرادها بإشارتها إليه قوله: تعالى بعده: ﴿قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾ [١٩/٢٩] فالفعل الماضي الذي هو ﴿كان﴾ بمعنى الفعل المضارع المقترن بالحال كما يدل عليه السياق. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾.


الصفحة التالية
Icon