وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين قال فرعون: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾. مع أنه لا ذنب له، يستحق به القتل، إلا أنه يقول: ربي الله.
وقد بين في آيات أخر أن من عادة المشركين قتل المسلمين، والتنكيل بهم، وإخراجهم من ديارهم من غير ذنب، إلا أنهم يؤمنون بالله ويقولون: ربنا الله، كقوله تعالى في أصحاب الأخدود، الذين حرقوا المؤمنين: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، وقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾. وقوله تعالى: عن الذين كانوا سحرة لفرعون، وصاروا من خيار المؤمنين، لما هددهم فرعون قائلاً: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾، أنهم أجابوه، بما ذكره الله عنهم، في قوله: ﴿قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا﴾. إلى غير ذلك من الآيات.
والتحقيق: أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية من جماعة فرعون كما هو ظاهر قوله تعالى: ﴿مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾.
فدعوى أنه إسرائيلي، وأن في الكلام تقديماً وتأخيراً. وأن ﴿مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ متعلق بـ"يكتم"، أي: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون أي: يخفي إيمانه عن فرعون وقومه خلاف التحقيق كما لا يخفى.
وقيل: إن هذا الرجل المؤمن هو الذي قال لموسى: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ﴾، وقيل غيره.
واختلف العلماء في اسمه اختلافاً كثيراً فقيل: اسمه حبيب، وقيل: اسمه شمعان، وقيل: اسمه حزقيل، وقيل غير ذلك، ولا دليل على شيء من ذلك.
والظاهر في إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله تعالى، في هذه الآية الكريمة، ﴿أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾، أنه مفعول من أجله.