وقوله تعالى في الروم: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ [الروم: ٩].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الزخرف في السلام على قوله تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الزخرف: ٨].
قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الجاثية في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أوليَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [الجاثية: ١٠].
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأحقاف: ٢٩-٣٠].
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف، أنه صرف إلى النبي ﷺ ﴿نَفَراً مِنَ الْجِنِّ﴾ والنفر دون العشرة ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ وأنهم لما حضروه، قال بعضهم لبعض ﴿أَنْصِتُوا﴾ أي اسكتوا مستمعين، وأنه لما قضى، أي انتهى النبي ﷺ من قراءته ﴿وَلَّوْا﴾ أي رجعوا ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ من الجن في حال كونهم ﴿مُنْذِرِينَ﴾ أي مخوفين لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا بالله، ويجيبوا داعيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وأخبروا قومهم، أن هذا الكتاب الذي سمعوه يتلى، المنزل من بعد موسى ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾، وهو ضد الباطل، ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، أي لا اعوجاج فيه.
وقد دل القرآن العظيم أن استماع هؤلاء النفر من الجن، وقولهم ما قالوا عن القرآن كله وقع ولم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أوحى الله ذلك إليه، كما قال تعالى في القصة بعينها، مع بيانها وبسطها، بتفصيل الأقوال التي قالتها الجن، بعد استماعهم القرآن العظيم: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً﴾ [الجن: ١-٢] إلى آخر الآيات.