فإن قوله ﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً﴾، وقوله: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ موضح لمعنى قوله: ﴿وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾.
والمراد بالآيات، نهيه ﷺ عن طلب تعجيل العذاب لهم، لأنهم معذبون، لا محالة عند انتهاء المدة المحدودة للإمهال، كما يوضحه قوله تعالى: ﴿فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ [مريم: ٨٤]، وقوله تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤] وقوله تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾ [البقرة: ١٢٦]، وقوله تعالى: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: ١٩٦-١٩٧]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٦٩-٧٠] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٤٥]، وفي سورة قد أفلح المؤمنون في الكلام على قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣].
وبينا في الكلام على آية قد أفلح المؤمنون وجه إزالة إشكال معروف في الآيات المذكورة.
قوله تعالى: ﴿بَلاغٌ﴾.
التحقيق إن شاء الله أن أصوب القولين في قوله: ﴿بَلاغٌ﴾ أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره، هذا بلاغ، أي هذا القرآن بلاغ من الله إلى خلقه.
ويدل لهذا قوله تعالى في سورة إبراهيم: ﴿هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾ [إبراهيم: ٥٢]، وقوله في الأنبياء: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
والبلاغ اسم مصدر، بمعنى التبليغ، وقد علم باستقراء اللغة العربية أن الفعال يأتي


الصفحة التالية
Icon