فقد دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد: ١٥] وقوله: ﴿إن المتقين في جنات وعيون﴾ وقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾ [الأعراف: ٥٠]، إلى غير ذلك من الآيات.
والمسكوب اسم مفعول سكب الماء ونحوه إذا صبه بكثرة، والمفسرون يقولون: إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وأن الماء يصل إليهم أينما كانوا كيف شاءوا، كما قال تعالى: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً﴾ [الإنسان: ٦]، وأما قوله: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾، فقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ [الطور: ٢٢].
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾.
الضمير في ﴿ أَنْشَأْنَاهُنَّ ﴾، قال بعض أهل العلم: هو راجع إلى مذكور، وقال بعض العلماء. هو راجع إلى غير مذكور، إلا أنه دل عليه المقام.
فمن قال إنه راجع إلى مذكور، قال هو راجع إلى قوله: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ قال: لأن المراد بالفرش النساء، والعرب تسمي المرأة لباسا وإزارا وفراشا ونعلا، وعلى هذا فالمراد بالرفع في قوله: ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ رفع المنزلة والمكانة.
ومن قال: إنه راجع إلى غير مذكور، قال: إنه راجع إلى نساء لم يذكرن، ولكن ذكر الفرش دل عليهن. لأنهن يتكئن عليها مع أزواجهن.
وقال بعض العلماء: المراد بهن الحور العين، واستدل من قال ذلك بقوله: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ لأن الإنشاء هو الاختراع والابتداع.
وقالت جماعة من أهل العلم: أن المراد بهن بنات آدم التي كن في الدنيا عجائز شمطا رمصا، وجاءت في ذلك آثار مرفوعة عنه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا القول: فمعنى ﴿أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ أي خلقناهن خلقا جديدا.
وقوله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ﴾ أي فصيرناهن أبكارا، وهو جمع بكر، وهو ضد الثيب.
وقوله: ﴿عُرُباً﴾ قرأه عامة القراء السبعة غير حمزة وشعبة عن عاصم ﴿عُرُباً﴾


الصفحة التالية
Icon