الهمزة المقدمة عن محلها لفظا لا رتبة، وهذا القول هو قول الأقدمين من علماء العربية، واختاره أبو حيان في البحر المحيط وابن هشام في مغني اللبيب، وهو الذي صرنا نميل إليه أخيرا بعد أن كنا نميل إلى غيره.
الوجه الثاني: هو أن همزة الاستفهام في محلها الأصلي، وأنها متعلقة بجملة محذوفة، والجملة المصدرية بالاستفهام معطوفة على المحذوفة بحرف العطف الذي بعد الهمزة، وهذا الوجه يميل إليه الزمخشري في أكثر المواضع من كشافه، وربما مال إلى غيره.
وعلى هذا القول، فالتقدير: أمبعوثون نحن وآباؤنا الأولون؟ وما ذكره الزمخشري هنا من أن قوله: وآباؤنا معطوف على واو الرفع في قوله: ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾، وأنه ساغ العطف على ضمير رفع متصل من غير توكيد بالضمير المنفصل لأجل الفصل بالهمزة لا يصح، وقد رده عليه أبو حيان وابن هشام وغيرهما.
وهذا الوجه الأخير مال إليه ابن مالك في الخلاصة في قوله:
وحذف متبوع بداهنا استبح
وعطفك الفعل على الفعل يصح
وقرأ هذا الحرف قالون وابن عامر: "أو آباؤنا" بسكون الواو، والذي يظهر لي على قراءتهما أو بمعنى الواو العاطفة، وأن قوله: ﴿آبَاؤُنَا﴾، معطوف على محل المنصوب الذي هو اسم إن، لأن عطف المرفوع على منصوب إن بعد ذكر خبرها جائز بلا نزاع، لأن اسمها وإن كان منصوبا فأصله الرفع لأنه مبتدأ في الأصل، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وجائز رفعك معطوفا على
منصوب إن بعد أن تستكملا
وإنما قلنا إن أو بمعنى الواو، لأن إتيانها بمعنى الواو معروف في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً، عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾ [المرسلات: ٥-٦]، لأن الذكر الملقى للعذر، والنذر معا لا لأحدهما، لأن المعنى أنها أتت الذكر إعذارا وإنذارا، وقوله تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٢٤]، أي ولا كفورا، وهو كثير في كلام العرب، ومنه قول عمرو بن معد يكرب: