في غير هذا الموضع كقوله في آخر هذه السورة الكريمة: ﴿فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة: ٩٣-٩٤]، وقوله تعالى في آخر الكهف: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً﴾ [الكهف: ١٠٢]، ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي السعد الضبي:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا | جعلنا القنا والمرهفات له نزلا |
قوله تعالى: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾.
لما أنكر الكفار بعثهم وآباءهم الأولين، وأمر الله رسوله أن يخبرهم أنه تعالى باعث جميع الأولين والآخرين، وذكر جزاء منكري البعث بأكل الزقوم وشرب الحميم، أتبع ذلك بالبراهين القاطعة الدالة على البعث فقال: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ هذا الخلق الأول ﴿فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾، أي فهل لا تصدقون بالبعث الذي هو الخلق الثاني، لأن إعادة الخلق لا يمكن أن تكون أصعب من ابتدائه كما لا يخفي.
وهذا البرهان على البعث بدلالة الخلق الأول على الخلق الثاني، جاء موضحا في آيات كثيرة جدا كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧]، وقوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: ٥] وقوله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٩]، وقوله تعالى: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: ٥١]، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة، وقد ذكرناها بإيضاح وكثرة في مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك في سورة البقرة والنحل والحج والجاثية، وغير ذلك من المواضع وأحلنا عليها كثيرا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾، لولا حرف تحضيض، ومعناه الطلب بحث وشدة، فالآية تدل على شدة حث الله للكفار وحضه لهم على التصديق بالبعث لظهور برهانه القاطع الذي هو خلقه لهم أولا.
قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾.
قد قدمنا قريبا كلام أهل العلم في همزة الاستفهام المتبوعة بأداة عطف، وذكرنا قبل