وأحلنا عليها مرارا.
تنبيه:
اعلم أنه يجب على كل إنسان أن ينظر في هذا البرهان الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، لأن الله جل وعلا وجه في كتابه صيغة أمر صريحة عامة في كل ما يصدق عليه مسمى الإنسان بالنظر في هذا البرهان العظيم المتضمن للامتنان، لأعظم النعم على الخلق، وللدلالة على عظم الله وقدرته على البعث وغيره، وشدة حاجة خلقه إليه مع غناه عنهم، وذلك قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِِنْسَانُ إِلَى أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاًمَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: ٣٢].
والمعنى: انظر أيها الإنسان الضعيف إلى طعامك كالخبز الذي تأكله ولا غنى لك عنه، من هو الذي خلق الماء الذي صار سببا لإنباته هل يقدر أحد غير الله على خلق الماء؟ أي إبرازه من أصل العدم إلى الوجود. ثم هب أن الماء خلق، هل يقدر أحد غير الله أن ينزله على هذا الأسلوب الهائل العظيم الذي يسقى به الأرض من غير هدم ولا غرق؟ ثم هب أن الماء نزل في الأرض من هو الذي يقدر على شق الأرض عن مسار الزرع؟ ثم هب أن الزرع طلع، فمن هو الذي يقدر على إخراج السنبل منه؟ ثم هب أن السنبل خرج منه، فمن هو الذي يقدر على إنبات الحب فيه وتنميته حتى يدرك صالحا للأكل؟ ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ، إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩]، والمعنى: انظروا إلى الثمر وقت طلوعه ضعيفا لا يصلح للأكل، وانظروا إلى ينعه، أي انظروا إليه بعد أن صار يانعا مدركا صالحا للأكل، تعلموا أن الذي رباه ونماه حتى صار كما ترونه وقت ينعه قادر على كل شيء منعم عليكم عظيم الأنعام، ولذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩]، فاللازم أن يتأمل الإنسان وينظر في طعامه ويتدبر قوله تعالى: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ﴾ أي عن النبات شقا إلى آخر ما بيناه. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً﴾ يعني لو نشاء تحطيم ذلك الزرع لجعلناه حطاما، أي فتاتا وهشيما، ولكنا لم نفعل ذلك رحمة بكم، ومفعول فعل المشيئة محذوف للاكتفاء عنه بجزاء الشرط، وتقديره كما ذكرنا، وقوله: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾.