وهذا مما يذكره الله لنبيه ﷺ من تعداد النعم عليه وأنه لم يودعه وما قلاه لقد كان فقيرا من المال فأغناه الله بمال عمه.
وقد قال عمه في خطبة نكاحه بخديجة وإن كان في المال قل فما أحببتم من الصداق فعلي ثم أغناه الله بمال خديجة حيث جعلت مالها تحت يده.
قال النيسابوري ما نصه: يروى أنه ﷺ دخل على خديجة وهو مغموم، فقالت: مالك؟ فقال: "الزمان زمان قحط، فإن أنا بذلت المال ينفد مالك، فأستحي منك، وإن أنا لم أبذل أخاف الله" فدعت قريشا وفيهم الصديق، قال الصديق: فأخرجت دنانير حتى وضعتها، بلغت مبانا لم يقع بصري على من كان جالسا قدامي، ثم قالت: اشهدوا أن هذا المال ماله، إن شاء فرقه وإن شاء أمسكه.
فهذه القصة وإن لم يذكر سندها فليس بغريب على خديجة رضي الله عنها أن تفعل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وقد فعلت ما هو أعظم من ذلك، حين دخلت معه الشعب فتركت مالها، واختارت مشاركته ﷺ لما هو فيه من ضيق العيش، حتى أكلوا ورق الشجر، وأموالها طائلة في بيتها.
ثم كانت الهجرة وكانت مواساة الأنصار، لقد قدم المدينة تاركا ماله ومال خديجة، حتى إن الصديق ليدفع ثمن المربد لبناء المسجد، وكان بعد ذلك فيء بنى النضير، وكان يقضي الهلال ثم الهلال ثم الهلال، لا يوقد في بيته ﷺ نار، إنما هما الأسودان: التمر والماء.
ثم جاءت غنائم حنين، فأعطى عطاء من لا يخشى الفقر، ورجع بدون شيء، وجاء مال البحرين فأخذ العباس ما يطيق حمله، وأخيرا توفي ﷺ ودرعه مرهونة في آصع من شعير.
وقوله تعالى ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾، يشير إلى هذا الموضع لأن ﴿أَغْنَى﴾ تعبير بالفعل، وهو يدل على التجدد والحدوث، فقد كان ﷺ من حيث المال حالا، فحالا، والواقع أن غناه ﷺ كان قبل كل شيء، هو غنى النفس والاستغناء عن الناس، ويكفي أنه ﷺ أجود الناس.
وكان إذا لقيه جبريل ودارسه القرآن كالريح المرسلة، فكان ﷺ القدوة في


الصفحة التالية
Icon