الاستثناء وهل هو خاص بإبراهيم لأبيه أم لماذا؟
وقد بينه تعالى في موضع آخر في قوله تعالى ﴿وَما كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَما تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [٩/١١٤]، تلك الموعدة التي كانت له عليه في بادى ء دعوته حينما قال له أبوه ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾ [١٩/٤٦-٤٧]، فكان قد وعده ووفي بعهده فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه فكان محل التأسي في إبراهيم في هذا التبرؤ من أبيه لما تبين له أنه عدو لله.
وقد جاء ما يدل على أنها قضية عامة وليست خاصة في إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى ﴿ما كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [٩/١١٣]، وفي هذه الآية وما قبلها أقوى دليل على أن دين الإسلام ليست فيه تبعية أحد لأحد بل كل نفس بما كسبت رهينة ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا ما سَعَى﴾.
ومن عجب أن يأتي نظير موقف إبراهيم من أبيه مواقف مماثلة في أمم متعددة منها موقف نوح عليه السلام من ابنه لما قال ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [١١/٤٥] فلما تبين له أمره أيضا من قوله تعالى ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [١١/٤٦] ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ الآية[١١/٤٧]، فكان موقف نوح من ولده كموقف إبراهيم من أبيه.
ومنها موقف نوح ولوط من أزواجهما في قوله تعالى ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُما فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً﴾ الآية[٦٦/١٠].
ومنها موقف زوجة فرعون من فرعون في قوله تعالى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [٦٦/١١]، فتبرأت الزوجة من زوجها وهذا التأسي قد بين تمام البيان معنى قوله تعالى ﴿ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾ [٦٠/٣]، أي ولا آباؤكم ولا أحد من أقربائكم يوم القيامة يفصل بينكم وقول إبراهيم لأبيه {وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ


الصفحة التالية
Icon