﴿وَاللَّهُ قَدِيرٌ﴾ يشعر بأنه فاعل ذلك لهم وقد جاء ما يدل على أنه فعله فعلا في سورة النصر حين دخل الناس في دين الله أفواجا وقد فتح الله عليهم مكة وكانوا طلقاء لرسول الله ﷺ وكذلك موقف أبي سفيان وغيره وعام الوفود إلى المدينة بعد الفتح وفي التذييل بأن الله قدير يشعر بأن تأليف القلوب ومودتها إنما هو من قدرة الله تعالى وحده كما بينه قوله تعالى ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ [٨/٦٣].
لأن المودة المتوقعة بسبب هداية الكفار والهداية منحة من الله ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: ٨] ﴿إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: ٩]
اعتبر بعض المفسرين الآية الأولى رخصة من الآية في أول السورة ولكن في هاتين الآيتين صنفان من الأعداء وقسمان من المعاملة
الصنف الأول عدو لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم فهؤلاء تعالى في حقهم: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾
والصنف الثاني قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم وهؤلاء يقول تعالى فيهم ﴿إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾.
إذا فهما قسمان مختلفان وحكمان متغايران وإن كان القسمان لم يخرجا عن عموم ﴿عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ﴾ المتقدم في أول السورة وقد اعتبر بعض المفسرين الآية الأولى رخصة بعد النهي المتقدم ثم إنها نسخت بآية السيف أو غيرها على ما سيأتي.
واعتبر الآية الثانية تأكيدا للنهي الأول وناقش بعض المفسرين دعوى النسخ في الأولى واختلفوا فيمن نزلت ومن المقصود منها والواقع أن الآيتين تقسيم لعموم العدو المتقدم في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [٦٠/١]، مع بيان كل قسم وحكمه كما تدل له قرائن في الآية الأولى وقرائن في هاتين الآيتين على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
أما التقسيم فقسمان قسم مسالم لم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم،


الصفحة التالية
Icon