قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين المسارعين في الخيرات ووعدهم، وذكر ذلك بأبلغ صفاتهم. و ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون وجلون مما خوفهم الله تعالى. ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ قال الحسن: يؤتون الإخلاص ويخافون ألا يقبل منهم. وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ قالت: سألت رسول الله ﷺ عن هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات". وقال الحسن: لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها. وقرأت عائشة رضي الله عنها وابن عباس والنخعي ﴿وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا﴾ مقصورا من الإتيان. قال الفراء: ولو صحت هذه القراءة عن عائشة لم تخالف قراءة الجماعة؛ لأن الهمز من العرب من يلزم فيه الألف في كل الحالات إذا كتب؛ فيكتب سئل الرجل بألف بعد السين، ويستهزئون بألف بين الزاي والواو، وشيء وشيء بألف بعد الياء، فغير مستنكر في مذهب هؤلاء أن يكتب ﴿يؤتون﴾ بألف بعد الياء، فيحتمل هذا اللفظ بالبناء على هذا الخط قراءتين ﴿يؤتون ما آتوا﴾ و ﴿يأتون ما أتوا﴾. وينفرد ما عليه الجماعة باحتمال تأويلين: أحدهما: الذين يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقلوبهم خائفة. والآخر: والذين يؤتون الملائكة الذين يكتبون الأعمال على العباد ما آتوا وقلوبهم وجلة؛ فحذف مفعول في هذا الباب لوضوح معناه؛ كما حذف في قوله عز وجل: ﴿فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: ٤٩] والمعنى يعصرون السمسم والعنب؛ فاختزل المفعول لوضوح تأويله. ويكون الأصل في الحرف على هجائه الوجود في الإمام ﴿يأتون﴾ بألف مبدلة من الهمزة فكتبت الألف