الله أم من أعداء الله، ولولا ذلك لما سأل الرجعة، فيعلموا ذلك قبل نزول الموت وذواقه.
قوله تعالى: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾ قال ابن عباس: يريد أشهد أن لا إله إلا الله. ﴿فِيمَا تَرَكْتُ﴾ أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات. وقيل ﴿فِيمَا تَرَكْتُ﴾ من المال فأتصدق. و ﴿لَعَلّ﴾ تتضمن ترددا؛ وهذا الذي يسأل الرجعة قد استيقن العذاب، وهو يوطن نفسه على العمل الصالح قطعا من غير تردد. فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا، وإما إلى التوفيق؛ أي أعمل صالحا إن وفقتني؛ إذ ليس على قطع من وجود القدرة والتوفيق لو رد إلى الدنيا.﴿كَلاََّ﴾ هذه كلمة رد؛ أي ليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، بل هو كلام يطيح في أدراج الريح. وقيل: لو أجيب إلى ما يطلب لما وفى بما يقول؛ كما قال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]. وقيل: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ ترجع إلى الله تعالى؛ أي لا خلف في خبره، وقد أخبر أنه لن يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، وأخبر بأن هذا الكافر لا يؤمن. وقيل: ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ عند الموت، ولكن لا تنفع. ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ أي ومن أمامهم وبين أيديهم. وقيل: من خلفهم. ﴿بَرْزَخٌ﴾ أي حاجز بين الموت والبعث؛ قال الضحاك ومجاهد وابن زيد. وعن مجاهد أيض أن البرز هو الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا. وعن الضحاك: هو ما بين الدنيا والآخرة. ابن عباس. حجاب. السدي: أجل. قتادة: بقية الدنيا. وقيل: الإمهال إلى يوم القيامة؛ حكاه ابن عيسى. الكلبي: هو الأجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة. وهذه الأقوال متقاربة. وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ. قال الجوهري: البرزخ الحاجز بين الشيئين. والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث؛ فمن مات فقد دخل في البرز. وقال رجل بحضرة الشعبي: رحم الله فلانا فقد صار من أهل الآخرة! فقال: لم يصر من أهل الآخرة، ولكنه صار من أهل البرزخ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة. وأضيف ﴿يَوْمِ﴾ إلى ﴿يُبْعَثُونَ﴾ لأنه ظرف زمان، والمراد بالإضافة المصدر.


الصفحة التالية
Icon