فيه بنفسه، ولا يفعل ذلك إلا الجلة. وفي حديث ابن عمر أنه كتب إلى عبدالملك بن مروان يبايعه. من عبدالله لعبدالملك بن مروان أمير المؤمنين؛ إني أقر لك بالسمع والطاعة ما استطعت، وإن بني قد أقروا لك بذلك. وقيل: توهمت أنه كتاب جاء من السماء إذ كان الموصل طيرا. وقيل: ﴿كَرِيمٌ﴾ حسن؛ كقول: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: ٥٨] أي مجلس حسن. وقيل: وصفته بذلك؛ لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعاء إلى عبادة الله عز وجل، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سبا ولا لعنا، ولا ما يغير النفس، ومن غير كلام نازل ولا مستغلق؛ على عادة الرسل في الدعاء إلى الله عز وجل؛ ألا ترى إلى قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥] وقوله لموسى وهرون: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]. وكلها وجوه حسان وهذا أحسنها. وقد روي أنه لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أحد قبل سليمان. وفي قراءة عبدالله ﴿وإِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ﴾ بزيادة واو.
الثانية- الوصف بالكريم في الكتاب غاية الوصف؛ ألا ترى قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٧] وأهل الزمان يصفون الكتاب بالخطير وبالأثير وبالمبرور؛ فإن كان لملك قالوا: العزيز وأسقطوا الكريم غفلة، وهو أفضلها خصلة. فأما الوصف بالعزيز فقد وصف به القرآن في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤١ - ٤٢] فهذه عزته وليست لأحد إلا له، فاجتنبوها في كتبكم، واجعلوا بدلها العالي؛ توفية لحق الولاية، وحياطة للديانة؛ قال القاضي أبو بكر بن العربي.
الثالثة- كان رسم المتقدمين إذا كتبوا أن يبدؤوا بأنفسهم من فلان إلى فلان، وبذلك جاءت الآثار. وروى الربيع عن أنس قال: ما كان أحد أعظم حرمة من النبي صلى الله عليه وسلم: وكان أصحابه إذا كتبوا بدؤوا بأنفسهم. وقال ابن سيرين قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل فارس إذا كتبوا بدؤوا بعظمائهم فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه"