" صفحة رقم ١٩٣ "
فساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدّمتهم، وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الدّيك. فوالله ما صاح ديك في تلك الليلة. فخرج فرعون في طلب بني اسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألف من دهم الخيل سوى سائر الشّيات، وسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، والماء في غاية الزيادة.
نظروا فإذا هم بفرعون وذلك حين أشرقت الشمس، فبقوا متحيرين وقالوا : يا موسى كيف نصنع ؟ وما الحيلة ؟ فرعون خلفنا والبحر أمامنا. قال موسى :) كلا أن معي ربي سيهدين ( فأوحى إليه :) أن اضرب بعصاك البحر ( فضربه فلم يُطعه، فأوحى الله إليه أن كنّه، فضربه موسى بعصاه وقال : انفلق أبا خالد بإذن الله، ) فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ( وظهر فيها اثنا عشر طريقاً لكلّ سبط طريق، وأرسل الله عزّ وجلّ الريح والشمس على مقر البحر حتى صار يبساً.
وقال سعيد بن جبير : أرسل معاوية إلى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلاّ مرة واحدة ؟ فكتب إليه : إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل.
فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً، فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا. فأوحى الله إلى حال الماء أن تشبّكي، فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا، ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى ) وإذ فرقنا بكم البحر ( أي فلقنا وميّزنا الماء يميناً وشمالا.
) فأنجيناكم ( من آل فرعون والغرق.
) وأغرقنا آل فرعون ( وذلك إنّ فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً، قال لقومه : انظروا إلى البحر انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا وأقتلهم، أدخلوا البحر، فهاب قومه أن يدخلوه ولم يكن في خيل فرعون أنثى، وإنما كانت كلها ذكور، فجاء جبرائيلج على فرس أنثى وديق فتقدّمهم فخاض البحر، فلما شمّت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم : إلحقوا بأصحابكم، حتى إذا خرج جبرائيل من البحر وهمَّ أولهم أن يخرج، أمر الله تعالى البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين ؛ وذلك بمرأى من بني إسرائيل، وذلك قوله :) وأغرقنا آل فرعون (


الصفحة التالية
Icon