" صفحة رقم ١٩٨ "
فأرجعوا. ) إلى بارئكم ( أي خالقكم، وكان أبو عمرو يختلس الهمزة إلى الجزم في قوله :) بارئكم ( و ( يأمركم ) وينصركم طلباً للخفة كقول امرؤ القيس :
فاليوم أشرب غير مستحقب
إثماً من الله ولا واغل
وأنشد :
وإذا أعوججن قلت صاحب قوّم
بالدوّ أمثال السفين العوم
قال :) فاقتلوا أنفسكم ( ليقتل البريء المجرم. ) ذلكم ( القتل. ) خيرٌ لكم عند بارئكم ( قال ابن جرير : فأبى الله عزّ وجلّ أن يقبل توبة بني إسرائيل إلاّ بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل.
وقال قتادة :( جعلّ عقوبة ) عبدة العجل القتل ؛ لأنّهم إرتدّوا، والكفر يبيح الدّم.
وقرأ قتادة :( فأقيلوا أنفسكم ) من الأقالة أي استقيلوا العثرة بالتوبة، فلما أهمّ موسى بالقتل قالوا : نصير لأمر الله تعالى فجلسوا بالأفنية مختبئين وأصلت القوم عليهم الخناجر وكان الرّجل يرى ابنه وأباه وعمّه وقومه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله وقالوا : يا موسى كيف نفعل ؟ فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً وقيل لهم من حلّ حبوته أو مدّ طرفه إلى قاتله أو إتّقى بيد أو رجل فهو طعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلمّا كثر فيهم القتل دعا هارون وموسى وبكياً وجزعاً وتضرّعاً وقالا : يا ربّ هلكت بنو اسرائيل البقيّة البقيّة، فكشف الله عزّ وجلّ السحاب وأمرهم أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفّوا عن القتل.
فتكشّفت عن ألوف من القتلى، فاشتدّ ذلك على موسى، فأوحى الله إليه : أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنّة، وكان من قُتل منهم شهيداً ومن بقي منهم نكفّر عنه ذنوبه، فذلك قوله :) فتاب عليكم ( يعني ففعلتم بأمره فتاب عليكم وتجاوز عنكم.
) إنّه هو التواب الرحيم (
) وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَاكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَاذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ


الصفحة التالية
Icon