الجواب : أن من آمن بالله وأقر بالتوحيد والنبوة، فقد أحسن بدليل أن الصبي إذا بلغ وقت الضحوة، وآمن بالله ورسوله واليوم الآخر ومات قبل الوصول إلى الظهر فقد أجمعت الأمة على أنه دخل تحت قوله :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ (يونس : ٢٦) ومعلوم أن هذا الشخص لم يأت بشيء من الطاعات سوى المعرفة والإقرار، لأنه لما بلغ بعد الصبح لم تجب عليه صلاة الصبح، ولما مات قبل الظهر لم تجب عليه صلاة الظهر، وظاهره أن سائر العبادات لم تجب عليه. فثبت أنه محسن، وثبت أنه لم يصدر منه إلا المعرفة والإقرار، فوجب كون هذا القدر إحساناً، فيكون فاعله محسناً.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٨٦
إذا ثبت هذا فنقول : كل من حصل له الإقرار والمعرفة كان من المحسنين، ودلت هذه الآية على أن رحمة الله قريب من المحسنين، فوجب بحكم هذه الآية أن تصل إلى صاحب الكبيرة من أهل الصلاة رحمة الله، وحينئذ تنقلب هذه الآية حجة عليهم.
فإن قالوا : المحسنون هم الذين أتوا بجميع وجوه الإحسان. فنقول : هذا باطل، لأن المحسن من صدر عنه مسمى الإحسان وليس من شرط كونه محسناً أن يكون آتياً بكل وجوه الإحسان كما أن العالم هو الذي له العلم وليس من شرطه أن يحصل جميع أنواع العلم. فثبت بهذا أن السؤال الذي ذكروه ساقط وأن الحق ما ذهبنا إليه.
المسألة الرابعة : لقائل أن يقول مقتضى علم الأعراب أن يقال : إن رحمة الله قريبة من المحسنين فما السبب في حذف علامة التأنيث ؟
وذكروا في الجواب عنه وجوهاً : الأول : أن الرحمة تأنيثها / ليس بحقيقي وما كان كذلك فإنه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة. الثاني : قال الزجاج : إنما قال :﴿قَرِيبٌ﴾ لأن الرحمة والغفران والعفو والإنعام بمعنى واحد فقوله :﴿وَلا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا﴾ بمعنى إنعام الله قريب وثواب الله قريب فأجرى حكم أحد اللفظين على الآخر. الثالث : قال النضر بن شميل : الرحمة مصدر ومن حق المصادر التذكير كقوله :﴿فَمَن جَآءَه مَوْعِظَةٌ﴾ (البقرة : ٢٧٥) فهذا راجع إلى قول الزجاج لأن الموعظة أريد بها الوعظ، فلذلك ذكره قال الشاعر :
إن السماحة والمروءة ضمنا
قبرا بمرو على الطريق الواضح
قيل : أراد بالسماحة السخاء وبالمروءة الكرم. والرابع : أن يكون التأويل إن رحمة الله ذات مكان قريب من المحسنين كما قالوا : حائض ولابن تامر أي ذات حيض ولبن وتمر. قال الواحدي : أخبرني العروضي عن الأزهري عن المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال : تقول العرب : هو قريب مني وهما قريب مني وهم قريب مني وهي قريب مني، لأنه في تأويل هو في مكان قريب مني وقد يجوز أيضاً قريبة وبعيدة تنبيهاً على معنى قربت وبعدت بنفسها.
المسألة الخامسة : تفسير هذا القرب هو أن الإنسان يزداد في كل لحظة قرباً من الآخرة، وبعداً من الدنيا، فإن الدنيا كالماضي، والآخرة كالمستقبل، والأنسان في كل ساعة ولحظة ولمحة يزداد بعداً عن الماضي، وقرباً من المستقبل. ولذلك قال الشاعر :
فلا زال ما تهواه أقرب من غد
ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس
ولما ثبت أن الدنيا تزداد بعداً في كل ساعة، وأن الآخرة تزداد قرباً في كل ساعة، وثبت أن رحمة الله إنما تحصل بعد الموت، لا جرم ذكر الله تعالى :﴿وَلا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا﴾ بناء على هذا التأويل.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٨٦
إذا ثبت هذا فنقول : كل من حصل له الإقرار والمعرفة كان من المحسنين، ودلت هذه الآية على أن رحمة الله قريب من المحسنين، فوجب بحكم هذه الآية أن تصل إلى صاحب الكبيرة من أهل الصلاة رحمة الله، وحينئذ تنقلب هذه الآية حجة عليهم.
فإن قالوا : المحسنون هم الذين أتوا بجميع وجوه الإحسان. فنقول : هذا باطل، لأن المحسن من صدر عنه مسمى الإحسان وليس من شرط كونه محسناً أن يكون آتياً بكل وجوه الإحسان كما أن العالم هو الذي له العلم وليس من شرطه أن يحصل جميع أنواع العلم. فثبت بهذا أن السؤال الذي ذكروه ساقط وأن الحق ما ذهبنا إليه.
المسألة الرابعة : لقائل أن يقول مقتضى علم الأعراب أن يقال : إن رحمة الله قريبة من المحسنين فما السبب في حذف علامة التأنيث ؟
وذكروا في الجواب عنه وجوهاً : الأول : أن الرحمة تأنيثها / ليس بحقيقي وما كان كذلك فإنه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة. الثاني : قال الزجاج : إنما قال :﴿قَرِيبٌ﴾ لأن الرحمة والغفران والعفو والإنعام بمعنى واحد فقوله :﴿وَلا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا﴾ بمعنى إنعام الله قريب وثواب الله قريب فأجرى حكم أحد اللفظين على الآخر. الثالث : قال النضر بن شميل : الرحمة مصدر ومن حق المصادر التذكير كقوله :﴿فَمَن جَآءَه مَوْعِظَةٌ﴾ (البقرة : ٢٧٥) فهذا راجع إلى قول الزجاج لأن الموعظة أريد بها الوعظ، فلذلك ذكره قال الشاعر :
إن السماحة والمروءة ضمنا
قبرا بمرو على الطريق الواضح