المسألة الثالثة : قال المفسرون : لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فكها فكان ما بين فكيها ثمانين ذراعاً وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلاً. واعلم أن هذا مما يدل على وجود الإله القادر المختار وعلى المعجز العظيم لموسى عليه السلام، وذلك لأن ذلك الثعبان العظيم لما ابتلعت تلك الحبال والعصي مع كثرتها ثم صارت عصا كما كانت. فهذا يدل على أنه تعالى أعدم أجسام تلك الحبال والعصي، أو على أنه تعالى فرق بين تلك الأجزاء وجعلها ذرات غير محسوسة وأذهبها في الهواء بحيث لا يحس بذهابها وتفرقها وعلى كلا التقديرين، فلا يقدر على هذه الحالة أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٣٧
فإن قيل : أليس أنه تعالى قال :﴿فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِه خِيفَةً مُّوسَى ﴾ (طه : ٦٧).
قلنا : ليس في الآية أن هذه الخيفة إنما حصلت لأجل هذا السبب، بل لعله عليه السلام خاف من وقوع التأخير في ظهور حجة موسى عليه السلام على سحرهم.
ثم إنه تعالى قال في صفة سحرهم :﴿وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ روي أن السحرة قالوا قد علمنا / سحراً لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمراً من السماء، فإنه لا طاقة لنا به. وروي أنهم كانوا ثمانين ألفاً. وقيل : سبعين ألفاً. وقيل : بضعة وثلاثين ألفاً. واختلفت الروايات، فمن مقل ومن مكثر، وليس في الآية ما يدل على المقدار والكيفية والعدد.
ثم قال تعالى :﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى ا أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ يحتمل أن يكون المراد من هذا الوحي حقيقة الوحي. وروى الواحدي عن ابن عباس : أنه قال : يريد وألهمنا موسى أن ﴿أَلْقِ عَصَاكَ ﴾.
ثم قال :﴿فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : فيه حذف وإضمار والتقدير ﴿أَنْ أَلْقِ عَصَاكَا فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ﴾.
المسألة الثانية : قرأ حفص عن عاصم ﴿تَلْقَفْ﴾ ساكنة اللام خفيف القاف، والباقون بتشديد القاف مفتوحة اللام. وروي عن ابن كثير ﴿تَلْقَفْ﴾ بتشديد القاف. وعلى هذا الخلاف في طه والشعراء. أما من خفف فقال ابن السكيت : اللقف مصدر لقفت الشيء ألقفه لقفاً إذا أخذته، فأكلته أو ابتلعته، ورجل لقف سريع الأخذ، وقال اللحياني : ومثله ثقف يثقف ثقاً وثقيف كلقيف بين الثقافة واللقافة/ وأما القراءة بالتشديد فهو من تلقف يتلقف، وأما قراءة بن كثير فأصلها تتلقف أدغم إحدى التاءين في الأخرى.
المسألة الثالثة : قال المفسرون : لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فكها فكان ما بين فكيها ثمانين ذراعاً وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلاً. واعلم أن هذا مما يدل على وجود الإله القادر المختار وعلى المعجز العظيم لموسى عليه السلام، وذلك لأن ذلك الثعبان العظيم لما ابتلعت تلك الحبال والعصي مع كثرتها ثم صارت عصا كما كانت. فهذا يدل على أنه تعالى أعدم أجسام تلك الحبال والعصي، أو على أنه تعالى فرق بين تلك الأجزاء وجعلها ذرات غير محسوسة وأذهبها في الهواء بحيث لا يحس بذهابها وتفرقها وعلى كلا التقديرين، فلا يقدر على هذه الحالة أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٣٧
المسألة الرابعة : قوله :﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ فيه وجهان : الأول : معنى الإفك في اللغة قلب الشيء عن وجهه، ومنه قيل للكذب إفك لأنه مقلوب عن وجهه. قال ابن عباس رضي الله عنهما :﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ يريد يكذبون، والمعنى : أن العصا تلقف ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه وعلى هذ التقدير فلفظة ﴿مَآ﴾ موصوله والثاني : أن يكون ﴿مَآ﴾ مصدرية، والتقدير : فإذا هي تلقف إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك.
ثم قال تعالى :﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ قال مجاهد والحسن : ظهر. وقال الفراء : فتبين الحق من السحر. قال أهل المعاني : الوقوع : ظهور الشيء بوجوده نازلاً إلى مستقره، وسبب هذا الظهور أن السحرة قالوا لوكان ما صنع موسى سحراً لبقيت حبالنا وعصينا ولم تفقد، فلما فقدت ؛ ثبت أن ذلك إنما حصل بخلق الله سبحانه وتعالى وتقديره، لا لأجل السحر، فهذا هو الذي لأجله تميز المعجز عن السحر. قال القاضي قوله :﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ يفيد قوة الثبوت والظهور بحيث لا يصح فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير لا واقعاً.
فإن قيل : قوله :﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ يدل على قوة هذا الظهور، فكان قوله :﴿وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ تكريراً من غير فائدة


الصفحة التالية
Icon