والقول الثاني : أن قوله :﴿الْيَوْمَ﴾ متعلق بقوله :﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ كأنه لما نفى التثريب مطلقاً بشرهم بأن الله غفر ذنبهم في هذا اليوم، وذلك لأنهم لما انكسروا وخجلوا واعترفوا وتابوا فالله قبل توبتهم وغفر ذنبهم، فلذلك قال :﴿الْيَوْمَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح، وقال لقريش :"ما تروني فاعلاً بكم" فقالوا نظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت، فقال :"أقول ما قال أخي يوسف لا تقريب عليكم اليوم" وروي أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس : إذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاتل عليه :﴿قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ ففعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"غفر الله لك ولمن علمك" وروي أن إخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تحضرنا في مائدتك بكرة وعشيا ونحن نستحي منك لما صدر منا من الإساءة إليك، فقال يوسف عليه السلام إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظروني بالعين الأولى ويقولون : سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ، ولقد شرفت الآن بإتيانكم وعظمت في العيون لما جئتم وعلم الناس أنكم إخوتي وإني من حفدة إبراهيم عليه السلام.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٠٧
ثم قال يوسف عليه السلام :﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَـاذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا﴾ قال المفسرون : لما عرفهم يوسف سألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه، فأعطاهم قميصه، قال المحققون : إنما عرف أن إلقاء ذلك القميص على وجهه يوجب قوة البصر بوحي من الله تعالى ولولا الوحي لما عرف ذلك، لأن العقل لا يدل عليه ويمكن أن يقال : لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما صار أعمى إلا أنه من كثرة البكاء وضيق القلب ضعف بصره فإذا ألقي عليه قميصه فلا بد أن ينشرح صدره وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد، وذلك يقوي الروح ويزيل الضعف عن القوي، فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان، فهذا القدر مما يمكن معرفته بالقلب فإن القوانين الطبية تدل على صحة هذا المعنى، وقوله :﴿يَأْتِ بَصِيرًا﴾ أي يصير بصيراً ويشهد له ﴿فَارْتَدَّ بَصِيرًا ﴾ (يوسف : ٩٦) ويقال : المراد يأت إلي وهو بصير، وإنما أفرده بالذكر تعظيماً له، وقال في الباقين :﴿وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قال / الكلبي : كان أهله نحواً من سبعين إنساناً وقال مسروق دخل قوم يوسف عليه السلام مصر. وهم ثلاثة وتسعون من بين رجل وامرأة، وروي أن يهودا حمل الكتاب وقال أنا أحزنته بحمل القميص الملطخ بالدم إليه فأفرحه كما أحزنته. وقيل حمله وهو حاف وحاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخاً.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٠٧
٥٠٩