وأما الوجه الثاني : في التمسك بهذه الآية قوله :﴿قُلِ اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ ولا شك أن فعل العبد شيء فوجب أن يكون خالقه هو الله وسؤالهم عليه ما تقدم.
والوجه الثالث : في التمسك بهذه الآية وقوله :﴿وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّـارُ﴾ وليس يقال فيه أنه تعالى واحد في أي المعاني، ولما كان المذكور السابق هو الخالقية وجب أن يكون المراد هو الواحد في الخالقية، القهار لكل ما سواه، وحينئذ يكون دليلاً أيضاً على صحة قولنا.
المسألة الثانية : زعم جهم أن الله تعالى لا يقع عليه اسم الشيء. اعلم أن هذا النزاع ليس إلا في اللفظ وهو أن هذا الاسم هل يقع عليه أم لا، وزعم أنه لا يقع هذا الاسم على الله تعالى واحتج عليه بأنه لو كان شيئاً لوجب كونه خالقاً لنفسه، لقوله تعالى :﴿اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ ولما كان ذلك محالاً، وجب أن لا يقع عليه اسم الشيء، ولا يقال : هذا عام دخله التخصيص، لأن العام المخصوص إنما يحسن إذا كان المخصوص أقل من الباقي وأخس منه كما إذا قال : أكلت هذ الرمانة مع أنه سقطت منها حبات ما أكلها، وههنا ذات الله تعالى أعلى الموجودات وأشرفها، فكيف يمكن ذكر اللفظ العام الذي يتناوله مع كون الحكم مخصوصاً في حقه ؟
والحجة الثانية : تمسك بقوله تعالى :﴿لَيْسَ كَمِثْلِه شَىْءٌ ﴾ (الشورى : ١١) والمعنى : ليس مثل مثله شيء، ومعلوم أن كل حقيقة فإنها مثل مثل نفسها، فالباري تعالى مثل مثل نفسه، مع أنه تعالى نبه على أن مثل مثله ليس بشيء، فهذا تنصيص على أنه تعالى غير مسمى باسم الشيء.
والحجة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ (الأعراف : ١٨٠) دلت هذه الآية على أنه لا يجوز أن يدعى الله إلا بالأسماء الحسنى، ولفظ الشيء يتناول أخس الموجودات، فلا يكون هذا اللفظ مشعراً بمعنى حسن، فوجب أن لا يكون هذا اللفظ من الأسماء الحسنى، فوجب أن لا يجوز دعاء الله تعالى بهذا اللفظ، والأصحاب تمسكوا في إطلاق هذا الاسم عليه تعالى بقوله :﴿قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةًا قُلِ اللَّه شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ﴾ (الأنعام : ١٩).
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٨
وأجاب الخصم عنه : بأن قوله :﴿قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةً ﴾ سؤال متروك الجواب، وقوله :﴿قُلِ اللَّه شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ﴾ كلام مبتدأ مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله.
المسألة الثالثة : تمسك المعتزلة بهذه الآية في أنه تعالى عالم لذاته لا بالعلم وقادر لذاته لا بالقدرة. / قالوا : لأنه لو حصل لله تعالى علم وقدرة وحياة، لكانت هذه الصفات إما أن تحصل بخلق الله أو لا بخلقه، والأول باطل وإلا لزم التسلسل، والثاني : باطل لأن قوله :﴿اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ يتناول الذات والصفات حكمنا بدخول التخصيص فيه في حق ذات الله تعالى فوجب أن يبقى فيما سوى الذات على الأصل. وهو أن يكون تعالى خالقاً لكل شيء سوى ذاته تعالى، فلو كان لله علم وقدرة لوجب كونه تعالى خالقاً لهما وهو محال، وأيضاً تمسكوا بهذه الآية في خلق القرآن. قالوا : الآية دالة على أنه تعالى خالق لكل الأشياء، والقرآن ليس هو الله تعالى، فوجب أن يكون مخلوقاً وأن يكون داخلاً تحت هذا العموم.
والجواب : أقصى ما في الباب أن الصيغة عامة، إلا أنا نخصصها في حق صفات الله تعالى بسبب الدلائل العقلية.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٨
٣٢