اعلم أن إسمعيل هذا هو إسمعيل بن إبراهيم عليهما السلام، واعلم أن الله تعالى وصف إسماعيل عليه السلام بأشياء : أولها : قوله :﴿إِنَّه كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ وهذا الوعد يمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الله تعالى ويمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الناس. أما الأول : فهو أن يكون المراد أنه كان لا يخالف شيئاً مما يؤمر به من طاعة ربه وذلك لأن الله تعالى إذا أرسل الملك إلى الأنبياء وأمرهم بتأدية الشرع فلا بد من ظهور وعد منهم يقتضي القيام بذلك ويدل على القيام بسائر ما يخصه من العبادة. وأما الثاني : فهو أنه عليه السلام كان إذا وعد الناس بشيء أنجز وعده فالله تعالى وصفه بهذا الخلق الشريف وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه وعد صاحباً له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة، وأيضاً وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفى به حيث قال :﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـابِرِينَ﴾ (الصافات : ١٠٢) ويروى أن عيسى عليه السلام قال له رجل : انتظرني حتى آتيك فقال عيسى عليه السلام : نعم وانطلق الرجل ونسي الميعاد فجاء لحاجة إلى ذلك المكان وعيسى عليه السلام هنالك للميعاد، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"أنه واعد رجلاً ونسي ذلك الرجل فانتظره من الضحى إلى قريب من غروب الشمس". وسئل الشعبي عن الرجل يعد ميعاداً إلى أي وقت ينتظره فقال : إن واعده نهاراً فكل النهار وإن واعده ليلاً فكل الليل، وسئل إبراهيم بن زيد عن ذلك فقال : إذا واعدته في وقت الصلاة فانتظره إلى وقت صلاة أخرى. وثانيها : قوله :﴿وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا﴾ وقد مر تفسيره. وثالثها : قوله :﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَه بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ﴾ والأقرب في الأهل أن المراد به من يلزمه أن يؤدي إليه الشرع فيدخل فيه كل أمته من حيث لزمه في جميعهم ما يلزم المرء في أهله خاصة، هذا إذا حمل الأمر على المفروض من الصلاة والزكاة فإن حمل على الندب فيهما كان المراد أنه كما كان يتهجد بالليل يأمر أهله أي من كان في داره في ذلك الوقت بذلك وكان نظره لهم في الدين يغلب على شفقته عليهم في الدنيا بخلاف ما عليه أكثر الناس، وقيل : كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم كما قال تعالى :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ﴾ (الشعراء : ٢١٤) ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ (طه : ١٣٢) ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم : ٦) وأيضاً فهم أحق أن يتصدق عليهم فوجب أن يكونوا بالإحسان الديني أولى، فأما الزكاة فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها طاعة الله تعالى والاخلاص فكأنه تأوله على ما يزكو به الفاعل عند ربه والظاهر أنه إذا قرنت الزكاة إلى الصلاة أن يراد بها الصدقات الواجبة وكان يعرف من خاصة أهله أن يلزمهم الزكاة فيأمرهم بذلك أو يأمرهم أن يتبرعوا بالصدقات على الفقراء. ورابعها : قوله ؛ ﴿وَكَانَ عِندَ رَبِّه مَرْضِيًّا﴾ وهو في نهاية المدح لأن المرضى عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات.
(القصة السادسة قصة إدريس عليه السلام)
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٥٠
٥٥٠
اعلم أن إدريس عليه السلام هو جد أبي نوح عليه السلام وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ قيل سمي إدريس لكثرة دراسته واسمه أخنوخ ووصفه الله تعالى بأمور : أحدها : أنه كان صديقاً. وثانيها : أنه كان نبياً وقد تقدم القول فيهما. وثالثها : قوله :﴿وَرَفَعْنَـاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ وفيه قولان : أحدهما : أنه من رفعة المنزلة كقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلّم :﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ (الشرح : ٤) فإن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود. الثاني : أن المراد به الرفعة في المكان إلى موضع عال وهذا أولى، لأن الرفعة المقرونة بالمكان تكون رفعة في المكان لا في الدرجة ثم اختلفوا فقال بعضهم إن الله رفعه إلى السماء وإلى الجنة وهو حي لم يمت، وقال آخرون : بل رفع إلى السماء وقبض روحه سأل ابن عباس رضي الله عنهما كعباً عن قوله :﴿وَرَفَعْنَـاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ قال : جاءه خليل له من الملائكة فسأله حتى يكلم ملك الموت حتى يؤخر قبض روحه فحمله ذلك الملك بين جناحيه فصعد به إلى السماء فلما كان في السماء الرابعة فإذا ملك الموت يقول بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، وأنا أقول كيف ذلك وهو في الأرض فالتفت إدريس فرآه ملك الموت فقبض روحه هناك. واعلم أن الله تعالى إنما مدحه بأن رفعه إلى السماء لأنه جرت العادة أن لا يرفع إليها إلا من كان عظيم القدر والمنزلة، ولذلك قال في حق الملائكة :﴿وَمَنْ عِندَه لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِه ﴾ (الأنبياء : ١٩) وههنا آخر القصص.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٥٠
٥٥١