السؤال الأول : ما معنى قوله :﴿مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ﴾ مع أنه سبحانه وتعالى خلقنا من نطفة على ما بين ذلك في سائر الآيات. والجواب من وجهين : الأول : أنه لما خلق أصلنا وهو آدم عليه السلام من التراب على ما قال :﴿كَمَثَلِ ءَادَمَا خَلَقَه مِن تُرَابٍ﴾ (آل عمران : ٥٩) لا جرم أطلق ذلك علينا. الثاني : أن تولد الإنسان إنما هو من النطفة ودم الطمث وهما يتولدان من الأغذية، والغذاء إما حيواني أو نباتي والحيواني ينتهي إلى النبات والنبات إنما يحدث من امتزاج الماء والتراب فصح أنه تعالى خلقنا منها وذلك لا ينافي كوننا مخلوقين / من النطفة. والثالث : ذكرنا في قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الارْحَامِ﴾ (آل عمران : ٦) خبر ابن مسعود أن الله يأمر ملك الأرحام أن يكتب الأجل والرزق والأرض التي يدفن فيها وأنه يأخذ من تراب تلك البقعة ويذره على النطفة ثم يدخلها في الرحم.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٦٢
السؤال الثاني : ظاهر الآية يدل على أن الشيء قد يكون مخلوقاً من الشيء وظاهر قول المتكلمين يأباه. والجواب : إن كان المراد من خلق الشيء من الشيء إزالة صفة الشيء الأول عن الذات وأحداث صفة الشيء الثاني فيه فذلك جائز لأنه لا منافاة فيه، أما قوله تعالى :﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ فلا شبهة في أن المراد الإعادة إلى القبور حتى تكون الأرض مكاناً وظرفاً لكل من مات إلا من رفعه الله إلى السماء، ومن هذا حاله يحتمل أن يعاد إليها أيضاً بعد ذلك، أما قوله تعالى :﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ ففيه وجوه : أحدها : وهو الأقرب :﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ﴾ يوم الحشر والبعث. وثانيها : ومنها نخرجكم تراباً وطيناً ثم نحييكم بعد الإخراج وهذا مذكور في بعض الأخبار. وثالثها : المراد عذاب القبر عن البراء قال :"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار فذكر عذاب القبر وما يخاطب به المؤمن والكافر وأنه ترد روحه في جسده ويرد إلى الأرض وأنه تعالى يقول عند إعادتهم إلى الأرض إني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى"، واعلم أن الله تعالى عدد في هذه الآيات منافع الأرض وهي أنه تعالى جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقلبون عليها وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف أرادوا وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلف دوابهم وهي أصلهم الذي منه يتفرعون ثم هي كفاتهم إذا ماتوا، ومن ثم قال عليه السلام :"بروا بالأرض فإنها بكم برة".
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٦٢
٦٣
اعلم أنه تعالى بين أنه أرى فرعون الآيات كلها ثم إنه لم يقبلها واختلفوا في المراد بالآيات، فقال بعضهم أراد كل الأدلة ما يتصل بالتوحيد وما يتصل بالنبوة، أما التوحيد فما ذكر في هذه السورة من قوله :﴿رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَه ثُمَّ هَدَى ﴾ (طه : ٥٠) وقوله :﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا﴾ (طه : ٥٣) / الآية، وما ذكر في سورة الشعراء :﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (الشعراء : ٢٣، ٢٤) الآيات، وأما النبوة فهي الآيات التسع التي خص الله بها موسى عليه السلام وهي العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل وعلى هذا التقرير معنى أريناه عرفناه صحتها وأوضحنا له وجه الدلالة فيها، ومنهم من حمل ذلك على ما يتصل بالنبوة وهي هذه المعجزات، وإنما أضاف الآيات إلى نفسه سبحانه وتعالى مع أن المظهر لها موسى عليه السلام لأنه أجراها على يديه كما أضاف نفخ الروح إلى نفسه فقال :﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ (الأنبياء : ٩١) مع أن النفخ كان من جبريل عليه السلام، فإن قيل قوله : كلها يفيد العموم والله تعالى ما أراه جميع الآيات لأن من جملة الأيات ما أظهرها على الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا قبل موسى عليه السلام والذين كانوا بعده قلنا : لفظ الكل وإن كان للعموم لكن قد يستعمل في الخصوص عند القرينة كما يقال دخلت السوق فاشتريت كل شيء أو يقال إن موسى عليه السلام أراه آياته وعدد عليه آيات غيره من الأنبياء عليهم السلام فكذب فرعون بالكل أو يقال تكذيب بعض المعجزات يقتضي تكذيب الكل فحكى الله تعالى ذلك على الوجه الذي يلزم ثم إنه سبحانه وتعالى حكى عنه أنه كذب وأبى قال القاضي : الإباء الامتناع وإنه لا يوصف به إلا من يتمكن من الفعل والترك ولأن الله تعالى ذمه بأنه كذب وبأنه أبى ولو لم يقدر على ما هو فيه لم يصح، واعلم أن هذا السؤال مر في سورة البقرة في قوله :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٦٣