ثم قال الفراء وذلك وإن كان قليلاً أقيس لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح، فينبغي أن يكون ما بعده ألفاً ولو كان ما بعده ياء ينبغي أن تنقلب ألفاً لانفتاح ما قبلها وقطرب ذكر أنهم يفعلون ذلك فراراً إلى الألف التي هي أخف حروف المد هذا أقوى الوجوه في هذه الآية ويمكن أن يقال أيضاً : الألف في هذا من جوهر الكلمة والحرف الذي يكون من جوهر الكلمة لا يجوز تغييره بسبب التثنية والجمع لأن ما بالذات لا يزول بالعرض فهذا الدليل يقتضي أن لا يجوز أن يقال :(إن هذين) فلما جوزناه فلا أقل من أن يجوز معه أن يقال إن هذان. الوجه الثاني : في الجواب أن يقال إن ههنا بمعنى نعم قال الشاعر :
ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنه
أي فقلت نعم فالهاء في إنه هاء السكت كما في قوله تعالى :﴿هَلَكَ عَنِّى سُلْطَـانِيَهْ﴾ (الحاقة : ٢٩) وقال أبو ذؤيب :
شاب المفارق إن إن من البلى
شيب القذال مع العذار الواصل
أي نعم إن من البلى فصار إن كأنه قال نعم هذان لساحران، واعترضوا عليه فقالوا : اللام لا تدخل في الخبر على الاستحسان إلا إذا كانت إن داخلة في المبتدأ، فأما إذا لم تدخل أن على المبتدأ فمحل اللام المبتدأ إذ يقال لزيد اعلم من عمرو ولا يقال زيد لأعلم من عمرو، وأجابوا عن هذا الاعتراض من وجهين، الأول : لا نسلم أن اللام لا يحسن دخولها على الخبر والدليل عليه قوله :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٧١
أم الحليس لعجوز شهر به
ترضى من اللحم بعظم الرقبه
وقال آخر :
خالي لأنت ومن جرير خاله
ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وأنشد قطرب :
ألم تكن حلفت بالله العلي
أن مطاياك لمن خير المطي
وإن رويت إن بالكسر لم يبق الاستدلال إلا أن قطرباً قال : سمعناه مفتوح الهمزة وأيضاً فقد / أدخلت اللام في خبر أمسى، قال ابن جني أنشدنا أبو علي :
مروا عجالى فقالوا كيف صاحبكم
فقال من سئلوا أمسى لمجهودا
وقال قطرب وسمعنا بعض العرب يقول : أراك المسالمي وإني رأيته لشيخاً وزيد والله لواثق بك وقال كثير :
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها
لكالهائم المقصى بكل بلاد
وقال آخر :
ولكنني من حبها لعميد
وقال المعترض هذه الأشعار من الشواذ وإنما جاءت كذا لضرورة الشعر وجل كلام الله تعالى عن الضرورة وإنما تقرر هذا الكلام إذا بينا أن المبتدأ إذا لم يدخل عليه إن وجب إدخال اللام عليه لا على الخبر وتحقيقه أن اللام تفيد تأكيد موصوفية المبتدأ بالخبر واللام تدل على حالة من حالات المبتدأ وصفة من صفاته فوجب دخولها على المبتدأ لأن العلة الموجبة لحكم في محل لا بد وأن تكون مختصة بذلك المحل لا يقال هذا مشكل بما إذا دخلت إن على المبتدأ فإن ههنا يجب إدخال اللام على الخبر مع أن ما ذكرتموه حاصل فيه لأنا نقول ذلك لأجل الضرورة وذلك لأن كلمة إن للتأكيد واللام للتأكيد فلو قلنا : إن لزيداً قائم لكنا قد أدخلنا حرف التأكيد على حرف التأكيد وذلك ممتنع فلما تعذر إدخالها على المبتدأ لا جرم أدخلناها على الخبر لهذه الضرورة، وأما إذا لم يدخل حرف إن على المبتدأ كانت هذه الضرورة زائلة فوجب إدخال اللام على المبتدأ لا يقال إذا جاز إدخال حرف النفي على حرف النفي في قوله :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٧١
ما إن رأيت ولا سمعت به
كاليوم طالبني أنيق أجرب