المسألة الثالثة : قال صاحب "الكشاف" : يقال في إذا هذه إذا المفاجأة والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن تكون ناصباً فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير فتقدير قوله تعالى :﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي اهـ.
المسألة الرابعة : قرىء عصيهم بالضم وهو الأصل والكسر إتباع نحو دلي ودلي وقسي وقسي وقرىء تخيل بالتاء المنقوطة من فوق بإسناد الفعل إلى الحبال والعصي وقرىء بالضم بالياء المنقطة من تحت بإسناد الفعل إلى الكيد والسحر وقال الفراء أي يخيل إليه سعيها.
المسألة الخامسة : الهاء في قوله :﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ كناية عن موسى عليه السلام والمراد أنهم بلغوا في سحرهم المبلغ الذي صار يخيل إلى موسى عليه السلام أنها تسعى كسعي ما يكون حياً من الحيات لا أنها كانت حية في الحقيقة ويقال إنهم حشوها بما إذا وقعت الشمس عليه يضطرب ويتحرك. ولما كثرت واتصل بعضها ببعض فمن رآها كان يظن أنها تسعى، فأما ما روي عن وهب أنهم سحروا أعين الناس وعين موسى عليه السلام حتى تخيل ذلك مستدلاً بقوله تعالى :﴿فَلَمَّآ أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ (الأعراف : ١١٦) وبقوله تعالى :﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ فهذا غير جائز لأن ذلك الوقت وقت إظهار المعجزة والأدلة وإزالة الشبهة فلو صار بحيث لا يميز الموجود عن الخيال الفاسد / لم يتمكن من إظهار المعجزة فحينئذ يفسد المقصود/ فإذن المراد أنه شاهد شيئاً لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى، أما قوله تعالى :﴿فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِه خِيفَةً مُّوسَى ﴾ فالإيجاس استشعار الخوف أي وجد في نفسه خوفاً، فإن قيل : إنه لا مزيد في إزالة الخوف على ما فعله الله تعالى في حق موسى عليه السلام فإنه كلمه أولاً وعرض عليه المعجزات الباهرة كالعصا واليد، ثم إنه تعالى صيرها كما كانت بعد أن كانت كأعظم ثعبان، ثم إنه أعطاه الاقتراحات الثمانية وذكر ما أعطاه قبل ذلك من المنن الثمانية ثم قال له بعد ذلك كله :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ (
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٧٥
طه : ٤٦) فمع هذه المقدمات الكثيرة كيف وقع الخوف في قلبه والجواب عنه من وجوه. أحدها : أن ذلك الخوف إنما كان لما طبع الآدمي عليه من ضعف القلب وإن كان قد علم موسى عليه السلام أنهم لا يصلون إليه وأن الله ناصره وهذا قول الحسن. وثانيها : أنه خاف أن تدخل على الناس شبهة فيما يرونه فيظنوا أنهم قد ساووا موسى عليه السلام ويشتبه ذلك عليهم وهذا التأويل متأكد بقوله :﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى ﴾ وهذا قول مقاتل. وثالثها : أنه خاف حيث بدأوا وتأخر إلقاؤه أن ينصرف بعض القوم قبل مشاهدة ما يلقيه فيدوموا على اعتقاد الباطل. ورابعها : لعله عليه السلام كان مأموراً بأن لا يفعل شيئاً إلا بالوحي فلما تأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت خاف أن لا ينزل الوحي في ذلك الوقت فيبقى في الخجالة. وخامسها : لعله عليه السلام خاف من أنه لو أبطل سحر أولئك الحاضرين فلعل فرعون قد أعد أقواماً آخرين فيأتيه بهم فيحتاج مرة أخرى إلى إبطال سحرهم وهكذا من غير أن يظهر له مقطع وحينئذ لا يتم الأمر ولا يحصل المقصود، ثم إنه تعالى أزال ذلك الخوف بالإجمال أولاً وبالتفصيل ثانياً، أما الإجمال فقوله تعالى :﴿قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى ﴾ ودلالته على أن خوفه كان لأمر يرجع إلى أن أمره لا يظهر للقوم فآمنه الله تعالى بقوله :﴿إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى ﴾ وفيه أنواع من المبالغة. أحدها : ذكر كلمة التأكيد وهي إن. وثانيها : تكرير الضمير. وثالثها : لام التعريف. ورابعها : لفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة وأما التفصيل فقوله :﴿وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ﴾ وفيه سؤال، وهو أنه لمَ لم يقل وألق عصاك. والجواب : جاز أن يكون تصغيراً لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي بيمينك فإنه بقدرة الله تعالى يتلقفها على وحدته وكثرتها وصغره وعظمها وجائز أن يكون تعظيماً لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكثيرة فإن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء عندها فألقه يتلقفها بإذن الله تعالى ويمحقها، أما قوله :﴿تَلْقَفْ﴾ أي فإنك إذا ألقيتها فإنها تلقف ما صنعوا قراءة العامة تلقف بالجزم والتشديد أي فألقها تتلقفها وقرأ ابن عامر تلقف بالتشديد وضم الفاء على معنى الحال أي ألقها متلقفة أو بالرفع على الاستئناف، وروى حفص عن عاصم بسكون اللام مع التخفيف أي تأخذ بفيها ابتلاعاً بسرعة واللقف والتلقف جميعاً يرجعان إلى هذا المعنى، وصنعوا ههنا بمعنى اختلقوا وزوروا والعرب تقول في الكذب : هو كلام مصنوع وموضوع وصحة قوله :