السؤال السابع :﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ﴾ سؤال عن سبب العجلة فكان جوابه اللائق به أن يقول : طلبت زيادة رضاك والشوق إلى كلامك، وأما قوله :﴿هُمْ أُوْلاءِ عَلَى ا أَثَرِى﴾ فغير منطبق عليه كما ترى والجواب من وجهين : الأول : أن سؤال الله تعالى يتضمن شيئين : أحدهما : إنكار نفس العجلة. والثاني : السؤال عن سبب التقدم فكان أهم الأمرين عند موسى عليه السلام بالجواب هذا الثاني فقال : لم يوجد مني إلا تقدم يسير لا يحتفل به في العادة وليس بيني وبين من سبقته إلا تقدم يسير يتقدم بمثله الوفد عن قومهم ثم عقبه بجواب السؤال عن العجلة فقال :﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾. الثاني : أنه عليه السلام لما ورد عليه من هيبة عتاب الله تعالى ما ورد ذهل عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام، واعلم أن في قوله :﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَـامُوسَى ﴾ دلالة على أنه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين، واختلفوا في المراد بالقوم فقال بعضهم : هم النقباء السبعون الذين قد اختارهم الله تعالى ليخرجوا معه إلى الطور فتقدمهم موسى عليه السلام شوقاً إلى ربه. وقال آخرون : القوم جملة بني إسرائيل وهم الذين خلفهم موسى مع هرون وأمره أن يقيم فيهم خليفة له إلى أن يرجع هو مع السبعين فقال :﴿هُمْ أُوْلاءِ عَلَى ا أَثَرِى﴾ يعني بالقرب مني ينتظرونني، وعن أبي عمرو ويعقوب إثري بالكسر وعن عيسى بن عمر أثري بالضم، وعنه أيضاً أولى بالقصر، والأثر أفصح من الأثر. وأما الأثر فمسموع في فرند السيف وهو بمعنى الأثر غريب.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٦
٩٠
اعلم أنه تعالى لما قال لموسى :﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ﴾ (طه : ٨٣) وقال موسى في جوابه :﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ (طه : ٨٤) عرفه الله تعالى ما حدث من القوم بعد أن فارقهم مما كان يبعد أن يحدث لو كان معهم فقال :﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنا بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ﴾ وههنا مسائل :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٠
المسألة الأولى : قالت المعتزلة : لا يجوز أن يكون المراد أن الله تعالى خلق فيهم الكفر لوجهين، الوجه الأول : الدلائل العقلية الدالة على أنه لا يجوز من الله أن يفعل ذلك. الثاني : أنه قال :﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ﴾ ولو كان الله خلق الضلال فيهم لم يكن لفعل السامري فيه أثر وكان يبطل قوله :﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ﴾ وأيضاً فلأن موسى عليه السلام لما طالبهم بذكر سبب تلك الفتنة قال :﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فلو حصل ذلك بخلق الله تعالى لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فينا لا ما ذكرت فكان يبطل تقسيم موسى عليه السلام وأيضاً فقال :﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ولو كان ذلك بخلقه لاستحال أن يغضب عليهم فيما هو الخالق له ولما بطل ذلك وجب أن يكون لقوله :﴿فَتَنَّا﴾ معنى آخر وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان. يقال : فتنت الذهب بالنار إذا امتحنته بالنار لكي يتميز الجيد من الرديء فههنا شدد الله التكليف عليهم وذلك لأن السامري لما أخرج لهم ذلك العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أن لها إلهاً ليس بجسم وحينئذ يعرفون أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديداً في التكليف فكان فتنة والتشديد في التكليف موجود قال تعالى :﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت : ٢) هذا تمام كلام المعتزلة قال الأصحاب : ليس في ظهور صوت عن عجل متخذ من الذهب شبهة أعظم مما في الشمس والقمر والدليل الذي ينفي كون الشمس والقمر إلهاً أولى بأن ينفي كون ذلك العجل إلهاً فحينئذ لا يكون حدوث ذلك العجل تشديداً في التكليف فلا يصح حمل الآية عليه فوجب حمله على خلق الضلال / فيهم، قولهم : أضاف الإضلال إلى السامري قلنا : أليس أن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسبابها في الظاهر وإن كان الموجد لها هو الله تعالى فكذا ههنا وأيضاً قرىء وأضلهم السامري أي وأشدهم ضلالاً السامري وعلى هذا لا يبقى للمعتزلة الاستدلال، ثم الذي يحسم مادة الشغب التمسك بفصل الداعي على ما سبق تقريره في هذا الكتاب مراراً كثيرة.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٠
المسألة الثانية : المراد بالقوم ههنا هم الذين خلفهم مع هرون عليه السلام على ساحل البحر وكانوا ستمائة ألف افتتنوا بالعجل غير أثني عشر ألفاً.


الصفحة التالية
Icon