بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب. والثاني : وهو الأقوى أن نبين لزوم الفساد لا من الوجه الذي ذكرناه بل من وجه آخر، فنقول : لو فرضنا إلهين لكان كل واحد منهما قادراً على جميع المقدّورات فيفضي إلى وقوع مقدور من قادرين مستقلين من وجه واحد وهو محال لأن استناد الفعل إلى الفاعل لإمكانه فإذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد فالفعل لكونه مع هذا يكون واجب الوقوع فيستحيل إسناده إلى هذا لكونه حاصلاً منهما جميعاً فيلزم استغناؤه عنهما معاً واحتياجه إليهما معاً وذلك محال. وهذه حجة تامة في مسألة التوحيد، فنقول القول بوجود الإلهين يفضي إلى امتناع وقوع المقدور لواحد منهما وإذا كان كذلك وجب أن لا يقع ألبتة وحينئذ يلزم وقوع الفساد قطعاً، أو نقول لو قدرنا إلهين، فإما أن يتفقا أو يختلفا فإن اتفقا على الشيء الواحد فذلك الواحد مقدور لهما ومراد لهما فيلزم وقوعه بهما وهو محال وإن اختلفا، فإما أن يقع المرادان أو لا يقع واحد منهما أو يقع أحدهما دون الآخر والكل محال فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات، فإن قلت : لم لا يجوز أن يتفقا على الشيء الواحد ولا يلزم الفساد لأن الفساد إنما يلزم لو أراد كل واحد منهما أن يوجده هو وهذا اختلاف، أما إذا أراد كل واحد منهما أن يكون الموجد له أحدهما بعينه فهناك لا يلزم وقوع مخلوق بين خالقين، قلت : كونه موجداً له، إما أن يكون نفس القدرة والإرادة أو نفس ذلك الأثر أو أمراً ثالثاً، فإن كان الأول لزم الإشتراك في القدرة والإرادة والاشتراك في الموجد، وإن كان الثاني فليس وقوع ذلك الأثر بقدرة أحدهما وإرادته أولى من وقوعه بقدرة الثاني، لأن لكل واحد منهما إرادة مستقلة بالتأثير، وإن كان الثالث وهو أن يكون الموجد له أمراً ثالثاً فذلك الثالث إن كان قديماً استحال كونه متعلق الإرادة. وإن كان حادثاً فهو نفس الأثر، ويصير هذا القسم هو القسم الثاني الذي ذكرناه. واعلم أنك لما وقفت على حقيقة هذه الدلالة عرفت أن جميع ما في هذا العالم العلوي والسفلي من المحدثات والمخلوقات فهو دليل وحدانية الله تعالى بل / وجود كل واحد من الجواهر والأعراض دليل تام على التوحيد من الوجه الذي بيناه. وهذه الدلالة قد ذكرها الله تعالى في مواضع من كتابه، واعلم أن ههنا أدلة أخرى على وحدانية الله تعالى. أحدها : وهو الأقوى أن يقال : لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لذاتيهما فلا بد وأن يشتركا في الوجود ولا بد وأن يمتاز
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٣٤