المسألة الثالثة : اختلف المفسرون فقال بعضهم المراد من قوله :﴿كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ﴾ الحيوان فقط، وقال آخرون بل يدخل فيه النبات والشجر لأنه من الماء صار نامياً وصار فيه الرطوبة والخضرة والنور والثمر، وهذا القول أليق بالمعنى المقصود، كأنه تعالى قال : ففتقنا السماء لإنزال المطر وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حياً، حجة القول الأول أن النبات لا يسمى حياً، قلنا لا نسلم والدليل عليه قوله تعالى :﴿كَيْفَ يُحْىِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ ﴾ (الروم : ٥٠) أما قوله تعالى :﴿أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ فالمراد أفلا يؤمنون بأن يتدبروا هذه الأدلة فيعلموا بها الخالق الذي لا يشبه غيره ويتركوا طريقة الشرك.
النوع الثالث : قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا فِى الارْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أن تميد بهم كراهة أن تميد بهم أو لئلا تميد بهم فحذف لا واللام الأولى وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما ترى ذلك في قوله :﴿لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَـابِ﴾.
المسألة الثانية : الرواسي الجبال، والراسي هو الداخل في الأرض.
المسألة الثالثة : قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تنكفىء بأهلها كما تنكفىء السفينة، لأنها بسطت على الماء فأرساها الله تعالى بالجبال الثقال.
النوع الرابع : قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ وفيه مسائل :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٤٢
المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" : الفج الطريق الواسع، فإن قلت في الفجاج معنى الوصف فمالها قدمت على السبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى :﴿لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا﴾ قلت لم تقدم وهي صفة، ولكنها جعلت حالاً كقوله :
لعزة موحشاً طلل قديم
والفرق من جهة المعنى أن قوله سبلاً فجاجاً، إعلام بأنه سبحانه جعل فيها طرقاً واسعة، وأما قوله :﴿فِجَاجًا سُبُلا﴾ فهو إعلام بأنه سبحانه حين خلقها جعلها على تلك الصفة، فهذه الآية بيان لما أبهم في الآية الأولى.
المسألة الثانية : في قوله ﴿فِيهَآ﴾ قولان : أحدهما أنها عائدة إلى الجبال، أي وجعلنا في الجبال التي هي رواسي فجاجاً سبلاً، أي طرقاً واسعة وهو قول مقاتل والضحاك ورواية عطاء عن ابن عباس وعن ابن عمر قال كانت الجبال منضمة فلما أغرق الله قوم نوح فرقها فجاجاً وجعل فيها طرقاً. الثاني :/ أنها عائدة إلى الأرض، أي وجعلنا في الأرض فجاجاً وهي المسالك والطرق وهو قول الكلبي.
المسألة الثالثة : قوله :﴿لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ معناه لكي يهتدوا إذ الشك لا يجوز على الله تعالى.
المسألة الرابعة : في يهتدون قولان : الأول : ليهتدوا إلى البلاد. والثاني : ليهتدوا إلى وحدانية الله تعالى بالاستدلال، قالت المعتزلة وهذا التأويل يدل على أنه تعالى أراد من جميع المكلفين الاهتداء. والكلام عليه قد تقدم، وفيه قول ثالث وهو أن الإهتداء إلى البلاد والاهتداء إلى وحدانية الله تعالى يشتركان في مفهوم واحد وهو أصل الاهتداء فيحمل اللفظ على ذلك المشترك وحينئذ تكون الآية متناولة للأمرين ولا يلزم منه كون اللفظ المشترك مستعملاً في مفهوميه معاً.
النوع الخامس : قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ ءَايَـاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : سمى السماء سقفاً لأنها للأرض كالسقف للبيت.
المسألة الثانية : في المحفوظ قولان : أحدهما : أن محفوظ من الوقوع والسقوط الذين يجري مثلهما على سائر السقوف كقوله :﴿وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الارْضِ إِلا بِإِذْنِه ﴾ (الحج : ٦٥) وقال :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالارْضُ بِأَمْرِه ﴾ (الروم : ٢٥) وقال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ أَن تَزُولا ﴾ (فاطر : ٤١) وقال :﴿وَلا يَاُودُه حِفْظُهُمَا ﴾ (البقرة : ٢٥٥). الثاني : محفوظاً من الشياطين قال تعالى :﴿وَحَفِظْنَـاهَا مِن كُلِّ شَيْطَـانٍ رَّجِيمٍ﴾ (الحجر : ١٧) ثم ههنا قولان : أحدهما : أنه محفوظ بالملائكة من الشياطين. والثاني : أنه محفوظ بالنجوم من الشياطين، والقول الأول أقوى لأن حمل الآيات عليه مما يزيد هذه النعمة عظماً لأنه سبحانه كالمتكفل بحفظه وسقوطه على المكلفين بخلاف القول الثاني لأنه لا يخاف على السماء من استراق سمع الجن.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٤٢
المسألة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَهُمْ عَنْ ءَايَـاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ معناه عما وضع الله تعالى فيها من الأدلة والعبر في حركاتها وكيفية حركاتها وجهات حركاتها ومطالعها ومغاربها واتصالات بعضها ببعض وانفصالاتها على الحساب القويم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة.


الصفحة التالية
Icon